اليوم - السعودية لم تعد حكمة «القناعة كنز لا يفنى» صالحة للاستهلاك في وقتنا الحاضر، فهي على وزن تلك الحكمة التي تقول: من حفر حفرة لأخيه وقع فيها.. كلها حكم تشبه تلك المحاضرات أو المقولات الوعظية التي فقدت بريقها منذ زمن؛ ليس بسبب عيب فيها أو أنها تحمل مضامين مثالية وفلسفية غير صالحة التطبيق، بل لأنها لم تعد تحتمل الزمن والتغيرات التي اعترته. التفكير الجمعي الحديث يحتاج إلى ابتكار أساليب جديدة لتغيير قناعاته التي جلبت له ولغيره التعاسة، هذه الأساليب ممكن أن تكون بطرق اتصالية إعلامية معينة تشترك فيها نخب مؤثرة تنعش الأخلاق والفكر وتخط تصورا لواقع أكثر تفاؤلا وجلبا «للسعادة».. كما ألفت النظر هنا إلى أن مصطلح أو كلمة «السعادة» أيضا من المفاهيم التي يسخر البعض عند سماعها فهي كلمة لم تعد تردد إلا في بعض الروايات أو في أفلام الكرتون التي تخاطب عقول الأطفال؛ وأذكر هنا مجددا أن العيب ليس في المفهوم بذاته إنما فقدان الناس للإحساس والمعاني التي تنطوي عليها مثل هذه المفاهيم والحكم السابقة. نحن بحاجة شديدة لأفكار جديدة ترسم لنا خارطة طريق للإصلاح الاجتماعي والثقافي تنتشلنا من أبسط منعرجات التعاسة التي تحاصرنا في حياتنا ككل، وإذا أردنا هنا توضيح بعض هذه المنعرجات التي جلبتها لنا بعض الأفكار والمبادئ التي نجد أنفسنا خانعين لها رغما عنا وبغير إدراك منا أحيانا هي في بعض الحالات مثلا؛ الاعتقاد بأن الفكر النقدي الذي ينقد ويلاحظ السلبيات في كل مجريات الأحداث -سواء الخارجية على صعيد المجتمع أو الداخلية على مستوى الأسرة- هو الطريقة الموضوعية والمنطقية التي يجب اتباعها في تعاطينا مع الأحداث، لذا تجد الناس تنقد وتنقد وتستمر في هذه الحلقة بلا نقطة نهاية، لهذا السبب بدا عالمنا الذي نحيا به عالما صاخبا بالمشاكل وسوء التنظيم لا ترى فيه الايجابيات الكبيرة منها والصغيرة، كما أن تضخم الأنا وتقديم المصلحة الخاصة على كل اعتبار يخص الآخر جعلنا نقع في أزمة انخفاض الولاءات لأدنى درجاتها، سواء كان هذا الولاء خاصا بالصداقة أو القرابة أو العمل. يضاف لما سبق قضية «التفاني القاتل» الذي يجعلنا نقدس فكرة أو مبدأ معينا نجعله يستنزف جل وقتنا وجهدنا ويسرق منا لذة الاستمتاع بتفاصيل حياتنا البسيطة، فالرجل الذي يكرس كل طاقته لجمع المال من عدة مصادر للدخل يجد نفسه في نهاية المطاف قد أضاع جزءا من عمره تحت خدمة مبدأ لا يستحق منه كل هذا العناء بتلك الطريقة، وقس على هذا التفاني صورا عدة في الحياة. إن ربط المتعة والاعتقاد بأنها قد تأتي بعد بلوغ هدف معين هو الذي يسرق استمتاعنا بالعيش في لحظتنا الراهنة.. من منعرجات التعاسة أيضا الخارجة عن سيطرتنا ابتلاؤنا بنخبة فكرية وثقافية لا ترى وسطا في نظرتها للأمور، وتنقسم بين فئة ناقدة بلا هوادة لكل شيء، لها نظرة سوداوية تشعر أنها نابعة أحيانا من عدم وعي بالمجتمع، وأخرى تمجد على المطلق وتقفز بنا أحيانا إلى تبرير الخطأ بكل استخفاف على العقول، فلا أسوأ من الفئة الأولى إلا الثانية. وعودة على ذي بدء، نريد نكهات وعظية إصلاحية للأخلاق والفكر، متماشية مع احتياجاتنا النفسية والعقلية، تشعرنا بجميل ما نحياه وتجعل من الجميل أجمل، تنتقد الخطأ وتقومه بطرق غير تقليدية. تويتر @taaroofaah