الاقتصادية - السعودية تُعرِّف كتب الإدارة، مصطلح الخبرة، بأنه مجموعة من المعارف والمعلومات التي اكتسبها الفرد في مسيرته العملية، في مجال ما. ويرفض رواد الإدارة الحديثة الاعتماد على الخبرة فقط في تقييم أي عامل، مبدين مخاوفهم من أن الخبرة وحدها دون تدعيمها بالعلم ستكون مقيدة لا منتجة. .. تنقسم الخبرة إلى عدة أقسام، تتنوع بين الخبرة الميدانية، البديلة، المحسوسة، والخبرة الممثلة. وهذا كله لا يعنينا، بل إن الخوض فيه قد يجنح بالمقال عن هدفه الرئيس. .. ومع توزع التخصصات الدقيقة في ميدان العمل بظهور نظرية تقسيم العمل في أوروبا، أصبحت النظرية ذاتها، تجر الخبرة خلفها، فأصبح العاملان تحت قسم واحد لا يخرجان بالخبرة نفسها بعد فترة زمنية ما، بسبب دقة التخصص، وتقسيماته. لتقريب المثال للقراء الرياضيين تحديدا، نقول: ليس كل لاعب معتزل ستفيده خبرته الميدانية عندما ينتقل إلى مقعد التدريب مثلا، ما لم يتسلح بمعارف جديدة عبر التعليم النظري والعملي، تسمح له بتوظيف خبرته الميدانية المقيدة إلى عامل منتج في مسيرته، ولتقريب المثال أكثر لأصحاب النوايا السيئة نورد مثالا آخر هو: ليس كل مذيع يستطيع أن يكون كاتب مقال ما لم تتوافر لديه مهارات أخرى، رغم أن المقعدين في المثالين يندرجان تحت سقف واحد في العمل، في الأول كرة القدم، وفي الثاني الإعلام. .. في الرياضة السعودية، وعندما يعتزل اللاعب ال "سوبر"، لا تستطيع المدرجات له فراقا، فتطالب بوجوده قريبا منها في مكان آخر، تريده مديرا، مدربا، عضو مجلس إدارة، محللا فنيا في القنوات الرياضية، أي شيء، المهم ألا يغيب عن العين. وتمارس الجماهير قراراتها دائما بعاطفة خالصة بعيدا عن أي معايير علمية أو منهجية، ولذلك لا يمكن توجيه اللوم لها، فالعلاقة قائمة على الحب، وعين المحب عمياء، وأُذنه صماء. .. هذه هي الجماهير، فماذا عن رؤساء الأندية؟ أيضا أغلبهم يرضخ لمطالبات الجماهير، فيذهب إلى استدعاء النجم المعتزل ليكون مديرا للكرة، أو مدربا أو عضوا في مجلس الإدارة، وكل ما لدى هذا المعتزل أنه لاعب كرة قدم سابق فقط. .. لو قلت لأي نجم سوبر معتزل: تريد أن تتحول للإدارة الرياضية وتصبح مديرا للكرة؟ ربما قال: لا. لكن لو قلت له: هل تريد أن تكون مديرا للكرة في ناديك السابق؟ فسيقول نعم، أما لماذا؟ فلأنه لا يملك إلا تجربته السابقة كلاعب، ويريد أن يوظفها بكل تفاصيلها في موقعه الجديد ومحيطه القديم، الذي ارتسمت في ساكنيه صور ذهنية جيدة عنه، وهذا ما تحدثت عنه في بداية المقال، "الخبرة المقيدة". .. لا يمكن إغفال الخبرة وأهميتها، لكنها ليست معيارا يستحق صدارة القائمة، ولو كانت كذلك لأصبح كل النجوم السوبر مدربين ومديري كرة ورؤساء أندية، كونهم خضعوا للتجربة ذاتها، لكن الفروق بينهم تحديدا ترتبط بالتعليم، والوعي، والقدرة على القياس، ومهارات الاتصال، وغيرها. .. ونحن نودع موسما، ونستعد لموسم جديد، ربما تتغير فيه تشكيلات فنية وإدارية كثيرة في الأندية، أنصح السادة الرؤساء بعدم الاستعانة بأي لاعب معتزل في أجهزتهم الفنية والإدارية، ما لم يكن هذا النجم قد تلقى تعليما بعد اعتزاله الكرة، يسمح له بأن تكون خبرته السابقة دافعة منتجة لا مقيدة.