الجزيرة - السعودية تذكر إحصائية حديثة أذاعها برنامج سيدتي يوم أمس الأول، على قناة روتانا خليجية، أن السعودية تأتي في المركز ال 119 من أصل 124 دولة في قائمة الشعوب الأكثر سعادة، ما يعني أننا في ذيل القائمة! هذا الرقم لم يكن مفاجئًا لي، صحيح أن لدينا مقومات الحياة الكريمة -ولله الحمد- ولدينا حالة أمنية متقدمة ونفخر بها، لكن ليس هذا كل ما نريده في الحياة، وليست هذه المقومات وحدها هي المانحة للسعادة، نحتاج إلى صناعة منهج متكامل للسعادة، جزء منه يقع على كاهل المؤسسات الحكومية المعنية بتوفير الترفيه والبهجة والفرح، التي يبحث عنها الناس بل ويتسابقون عليها، وأذكر مثالاً؛ الزحام الذي تشهده الجنادرية كل عام، وتدافع الزائرين على مواقع الترفيه والغناء هو دليل على تعطشهم لهذه الفعاليات التي تجذب لهم السعادة. الشق الثاني لهذا المنهج هو نابع من الإنسان ذاته، من قدرته على جلب الفرح لنفسه، أو على الأقل طرد المنغصات التي تجلب الكآبة، ومحاولة تجنبها قدر الإمكان ولو لفترة مؤقتة، كالأخبار التعيسة التي تنقل لنا كل ساعة أخبار الموت والدمار من حولنا، لو استسلمنا لها كل وقت فأظن أن مصيرنا لن يكون التعاسة فحسب، بل جلطات وأمراض قلب وضغط الدم وغيره، لذا علينا أن نرأف بأنفسنا وأن نكون أكثر رحمة وشفقة بها، وخلق ما يجلب السعادة ولو من اللا شيء، المهم أن نصنع في داخلنا مركزًا تحيط به سدود منيعة عن الاستسلام والكآبة والحالة المزرية التي تقتحمنا مع ظروف الحياة والمعيشة رغمًا عنا. كما يقع على عاتق الأمهات والآباء خلق جيل ينعم بالسعادة أو جيل تعكر التعاسة صفو حياته، فالطفل الذي يقابله والديه بابتسامة، ويمنحانه احتياجاته العاطفية، ويحافظان على حياته النفسية، بالتأكيد سيكون طفلاً سعيداً، وشابًا معطاءً، ورجلاً واثقًا من نفسه. والعكس تمامًا. السعادة تجلب بعضها بعضًا، نهر لا ينضب إن قررنا فتح الأبواب لها، لديها القدرة على تغيير نظرتنا لكل الأمور التي تدور من حولنا أو تمسنا شخصيًا، هي تنفس طويل لرئة الحياة بهوائها النقيّ، وشريان الاستمرارية والقدرة على العطاء، العطاء لا يقتصر على الآخرين، بل حجم عطاء الانسان لذاته ما ينعكس على منهجه وتفكيره وصحته وكل من هم حوله. خبر محزن أن تأخذ السعودية هذه الدرجة في الشعوب الأكثر سعادة، صحيح هناك من سيرفض هذه الإحصائية ويشكك بها ويعتبرها مؤامرة، لكن بعيدًا عن الدراسات والإحصائيات هناك مؤشرات نراها من حولنا، في الشارع، في الدوائر والمؤسسات والمستشفيات ومواقع العمل، حتى في مواقع التواصل الاجتماعي من ردود وتعليقات تؤكد أن التعاسة بالجملة، وأن التوتر والقلق صفة باتت تلازمنا، ونحتاج إلى أن نعي حقيقة الوضع ونسارع بالعلاج، والوصفة ليست ببعيدة ولا هي أدوية لا نستطيع الوصول إليها، هي أبسط مما نتخيل، هي فقط راحة مع النفس وإجازة للوجدان وأخذ نفس طويل مع التفكير الهادي. www.salmogren.net