المصري اليوم - القاهرة 1-هل هنأت المشير السيسي بمناسبة عيد النيروز الموافق 21 مارس من كل عام؟ *** رسخت كلاسيكيات النفاق السياسي في مصر نموذجا يقضي بتهنئة من «يركب» الكرسي، بكل المناسبات الكونية. يستوي في ذلك الأعياد المصرية المتعارف عليها، وصولا لاحتفالية زيمبابوي بعيد ختان الخنزير البري، وليس انتهاء باحتفالات كوبا بعيد السيجار الوطني. *** «في ذكرى هذا اليوم المجيد، نبعث بتحية خالصة للرئيس محمد مرسي، قائد نصر أكتوبر العظيم، وتحية خالصة إلى أبطال جيشنا الباسل.. الذي رفع رأس كل مصري، بل ورأس كل عربي، وأصبحت أعلامنا خفاقة ترفرف بالعزة والكرامة».. هذا ليس نصا هزليا، لكنه نص التهنئة التي نشرتها النقابة العامة لعمال البترول ولجانها النقابية في مجلة العمل، في عددها رقم 591، لشهر أكتوبر 2012. (راجع هذا التقرير). لا أظن نكتة وصف مرسي بقائد نصر أكتوبر وليدة نفاق مقصود، فهي على أي حال معلومة مغلوطة تماما كما يدري الجميع، بل أميل إلى أن هناك قالبا لتهنئة مبارك كان مستقرا ومعمما ويجتهد المنافقون في اقتباسه من بعضهم البعض، وكل ما جرى أن البيروقراطية المصرية لم تراجع نصها النفاقي مع تغير الحاكم، واختلاف المعلومات والحقائق بالضرورة. *** 2- هل هنأت المشير السيسي بمناسبة إطلاق قناة سي بي سي إكسترا؟ *** وأحب أن أستعين بهذه الواقعة التي كتبها الدكتور أحمد خالد توفيق في غير موضع، بوصفها شارحة ودالة لعمق هوة النفاق السياسي في مصر: الأستاذ المسن الذي تصلبت شرايين مخه، والذي عاش عصور النفاق منذ أيام مولانا ولي النعم، اعتلى المنبر فقال بالحرف الواحد: «الله يقول: إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب.. أما نحن فنقول: إن في خلق السادات والأرض .. كذا ..». أقسم بالله أن هذا قيل حرفيًّا، وسوف أُسأل عنه يوم القيامة.. لقد أصابني الهلع من هذه الدرجة العبقرية المفزعة التي يمكن أن يبلغها النفاق.. والأغرب هو أن أحدًا لم يعترض، والرئيس المؤمن نفسه لم يهب لتصحيح كلمات الرجل. *** 3-هل هنأت المشير السيسي بهدف محمد صلاح الأخير في الدوري الإنجليزي؟ *** وهي وقائع ليست خارجة عن سياق مقرئ القرآن الشهير الذي ابتدأ تلاوته في إحدى الحفلات الدينية قبل دخول مبارك، ثم ضبط نفسه وقسم الآية نصفين «وَهَٰذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ»..بحيث تواتي قراءته دخول مبارك وهو يقول «مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ». *** 4-هل هنأت المشير السيسي بمناسبة طرح فيلم «فتاة المصنع» في دور العرض؟ *** ولكن ما علاقة هذا بالسيسي؟ للسيسي خصومه من تيارات مدنية ودينية مختلفة، كثيرُ منهم يتحامل عليه ويسبه ويشتمه لأجل شيء ولأجل لا شيء، بل ويصادرون عليه أي إمكانية نجاح مفترضة، ويسفهون دوما من شخصه وقناعاته وأدائه. ولا يخفى قدر التحامل على الرجل والتربص به، وتحميله من الآثام فوق ما يقتضيه ميزان الإنصاف، وفوق ما يسأل عنه هو شخصيا. إلا أن بعض لومهم وسخطهم يدعو لفتح تساؤلات ضرورية حول مسؤولية المشير بموجب موقعه (كنائب لرئيس الوزراء للشؤون الأمنية) عن أزمات تفاقمت إلى كوارث، وعن دماء كان من المفترض أن تعصم عصما لا أن تراق هدرا. (دماء جنوده قبل خصومه). ولكن ما علاقة التحامل على السيسي في أن يتولد رد فعل على هيئة طوفان نفاق طافح.. مقالات وأغان ووصلات غزل في الفضائيات والجرائد واليافطات التي تتصدر الشوارع والميادين؟ *** 5-هل هنأت المشير السيسي بنجاح العسكرية والدبلوماسية الروسية في ضم القرم؟ *** بالطبع لن يطارد السيسي منافقيه في الشوارع، ولن يطلب من المقربين مناشدة الإعلاميين والطبالين التوقف عن استنزافه في وصلات نفاق رديئة (إن النفس لأمارة بالسوء). لكن الأكيد أن هذا النفاق يجعل منه دراكيولا محتملا، أكثر مما يتركه لمساحة من التقدير الشعبي، كانت ستبدو أكثر طبيعية وإخلاصا من كل هذا الفجر الدعائي الذي نعايشه. *** حين تود منافقة السيسي لا تهنئه بحرب أكتوبر أيها الغبي.. فهناك حلول أكثر ابتكارا: 1-هنئ السيسي بعيد النيروز، بوصف السيسي راعي الطبيعة والمسؤول عن تفتح الزهور في أحضان الجبال، بعدما اجتث شأفة الإخوان الإرهابيين من البلاد. 2-هنئ السيسي بإطلاق قناة سي بي سي إكسترا، في إطار حرية تبادل المعلومات وفي سياق ترسيخ حرية الإعلام بعد إغلاق قنوات الفاشية الدينية. 3-هنئ السيسي بهدف محمد صلاح، فالسيسي رجل رياضي شاهدناه جميعا في تدريبات الجري مع طلبة الكلية الحربية (لا تقل السيسي راعي الرياضة والرياضيين كي لا تبدو منافقا كلاسيكيا من عهد مبارك).. ولا يمكن إغفال انتقال صلاح لصفوف تشيلسي بعدما تمكن السيسي من طرد الإخوان من الحكم. 4-هنئ السيسي بفيلم محمد خان الجديد، فلولا إطاحته بالظلاميين والتكفيريين، لكانت عروض السينما ستقتصر على فيلم «جحيم الروس» بأجزائه الممتدة. 5-هنئ السيسي على ضم القرم، فبالتأكيد لم يكن بوتين ليتصرف بكل هذه الجرأة والعنجهية لولا ثقته بوجود حليف صلب صلد كأنه جلمود صخر حطه السيل من عل.. كسيادة المشير. 6-هنئ السيسي بعيد الطفولة.. فكلنا أطفاله. 7-هنئ السيسي باليوم العالمي للجمعية السويسرية لأطباء الرمد حول العالم (لو أن هناك كيانا بهذا الاسم).. بوصفنا «نور عينيه». 8-هنئ السيسي بعيد ميلاد كل من شارل ديجول ودوايت آيزنهاور.. بوصفهما قائدين عسكريين ارتقيا سدة الحكم.. فالثلاثة زملاء في ناد تاريخي واحد. 9-هنئ السيسي بعيد ميلاد إقليدس الأب الروحي لعلم الهندسة، ومؤسس نظريات الهندسة الفراغية، بوصفه الرجل الوحيد الذي سخر لنا العلم كي نقيس حجم وأبعاد مصر حين تصبح «قد الدنيا». 10-هنئ السيسي بتاريخ هبوط الإنسان على وجه الأرض، فلولا هذا الهبوط، ما كانت لتجري كل هذه الأحداث على مدار آلاف السنين، كي تفضي بالإخوان في الحكم، ليخصلنا منهم السيسي في نهاية المطاف.