تواصل - السعودية يبدو أن هذا هو شعار المرحلة القادمة، أو هو ترويسة المشروع الثقافي التنويري الجديد الذي يريد تثبيته في أذهاننا بعض السياسيين والمفكرين والإعلاميين العرب، كأنهم لا يعرفون في قضية فلسطين بالذات من هو الظالم ومن هو المظلوم؟ من هو القاتل ومن المقتول؟ من هو المجرم ومن الضحية؟ هل لأنهم لا يعيشون القضية ولا يحسون بها؟ أو هل لأنهم لم يروا نكبة فلسطين ولا بداية مأساتها المروّعة؟ أو ربما نسوا أو تناسوا كيف فقدنا فلسطين وكيف ظُلم أهلها وشُرّدوا بين الدول وتم توزيعهم على مخيمات بائسة لا تصلح للحياة الحيوانية فضلا عن أن تكون مكانا وموطنا مؤقتا لمهاجرين ولاجئين مظلومين ومقهورين. نشأنا وكبرنا وتعلمنا في بيوتنا ومساجدنا ومدارسنا وإعلامنا ومواقفنا السياسية على أن فلسطين هي قضية العرب والمسلمين الأولى، وأن تحرير المسجد الأقصى وفلسطين هو موقفنا الثابت والمبدئي والأخلاقي والعروبي والديني، وأن الذين احتلوا فلسطين وقتلوا أهلها وهجّروهم هم اليهود الصهاينة، وأنهم لوحدهم فقط أعداؤنا وليس غيرهم. كل مؤتمرات القمة العربية والإسلامية تؤكد على ذلك في بياناتها الختامية، كل مفاوضاتنا مع العالم تدور حول هذا المحور، كل أدبيات إعلامنا ومنطلقاته تروج لهذا التوجه العربي الكاسح. إذا كانت فلسطين في تلك المرحلة هي قضية القضايا وأولى الاهتمامات، فلماذا في السنوات الأخيرة أصبح ذلك مختلفا؟ لماذا تغير الأمر وتبدل الحال وأصبح موقفنا من فلسطين عجيبا وغريبا ومشبوها وغير معقول ولا يصدق؟ وصل الأمر إلى الدرجة التي قبلنا فيها التفاوض والتنازل والبحث عن السلام مع من اغتصب الأقصى، وقررنا إنشاء السفارات ومكاتب التنسيق ودعوة الصهاينة لحضور المؤتمرات واللقاءات الدولية ومقابلة مسؤوليها بحجج مختلفة وأعذار مضحكة. حينما يُخنق أهلنا وإخواننا من قبل العرب أنفسهم ماذا نسمي هذا الأمر؟ حينما تُقطع الشرايين والأوردة التي يتنفسون بها وتُهدم الممرات والأنفاق التي منها يقتاتون ويشعرون بحياتهم ويعيشون على بقائها واستمرارها ماذا نسمي ذلك؟ حينما يفتخر العرب بالتضييق والحصار والتشويه والإيذاء للفلسطينيين عبر وكالات الأنباء العالمية ويقدمون أنفسهم دعاة سلام وتسامح وتعايش ماذا بقي للعرب من شرف؟ أين فلسطين في وجدان العرب والمسلمين اليوم؟ ساءني جدا أن مجموعة من الإعلاميين السعوديين ينتمون إلى تيار يدّعي التمدن والتحضر والتسامح مع كل الأديان والمذاهب غير الإسلامية طبعا؛ ساءني أن أمنية هذا التيار هي تدمير غزة على رؤوس أهلها، وسحق مجاهديها ومقاوميها عن بكرة أبيهم وتطهير فلسطين منهم ومن تطرفهم تجاه (الإسرائيليين). هؤلاء كيف يفكرون؟ ما هي منطلقاتهم؟ ألهذه الدرجة مُسخوا؟ ألا يشوهون صورة بلدهم، ألا يسيئون لسمعتها، ألا يلوثون تاريخها الطويل في دعم ومساندة وتبني قضية فلسطين. هذه المقالات التي كُتبت والتغريدات التي نُشرت أجزم أنها لا تمثل السعوديين ولا تعبر عن رأيهم ولا تعني توجها رسميا ولا رأيا عاما وإنما تعني شرذمة قليلة تبنت شذوذا فكريا وانحرافا عن المبادئ والثوابت التي يؤمن بها السعوديون بكل فئاتهم والتي تؤكد أن فلسطين هي قضية المسلمين الأولى وتحريرها واجب إسلامي عظيم وأهلها هم أهلنا وأحبابنا وإخواننا، وأن العدو أبدا هو من احتل الأرض ودنس الأقصى وقتل وهجّر وأسر أهلها وسلب حقوقهم وتسلط على بلادهم.