اليوم - السعودية انتهى معرض الكتاب، وانطوت صفحة أخرى من الصفحات الثقافية على مدار السنوات الماضية، ولم يفتأ السؤال القديم الجديد يلح عليّ: هل هذه الجحافل من الزوار تقصد حقيقة المعرض للكتاب ذاته، أم أن الانسداد المستمر لقنوات الترفيه لدينا هو المحرك الفعلي لهذه الجحافل على ذلك المكان، المرصع بكل ما أنتجته أسمى العقول البشرية، ويجب أن استدرك هنا بعض الظواهر الجديدة وأكملها، وأتفهها على حد سواء؟ من الملامح التي واصلت تجذرها هذه السنة وسوف تستمر، تأثير وسائل التواصل الاجتماعي الإلكترونية على المادة المكتوبة، فحضرت الخواطر التويترية، إذا صح التعبير، والكتابات منزوعة الدسم، وتلك التي تخاطب عواطف في منطقة المراهقة، حيث ترتبك العاطفة وتتوه في خضم الكثير من الحيرة. الكتب الأكثر مبيعاً كما أشيع، انقسمت إلى فئتين؛ الفئة الأولى تلك التي تصطاد جماهيرها من الفضاء الإلكتروني، وهو فضاء لا يعتمد مرجعية معينة، ولا تراكما معينا عن الكتاب، أو مسوغا لجودة العمل الإبداعي، بل وكما يتصف به ذلك الفضاء من الانفعال اللحظي الآني، يتم إقناع المتصفح بذلك ومعظمهم من صغار السن، وبذلك استطاع كتاب تلك الفئة النفاذ إلى شريحة لا يستهان بها من القراء، هم في غالبهم من الجنس الناعم، وتحديداً في سنوات الدراسة بين المتوسطة إلى الثانوية، (لا ننسى أن فرائس المروجين للعمليات الانتحارية تصطاد من ذلك الفضاء أيضا) هذه الفئة بحاجة إلى المساعدة الحقيقية من المدرسة والبيت؛ لكي تؤسس وعيها للحياة وثقافتها على أرض صلبة بعيداً عما يداعب عاطفتها دون عقلها. أما الفئة الثانية التي تحوز على نصيب كبير من المبيعات، فهي فئة الكتاب الكبار ذوو الصيت العربي، وربما العالمي من روائيين ومفكرين، وهؤلاء لهم حصة معلومة ليس فقط في معرض الرياض الدولي للكتاب، بل وجميع المعارض الأخرى. وبين تلك الفئتين تبدو الفئة الثالث من كتاب الجيل المتوسط الجادين، أقل حظوه لدى القراء، يصارع أولئك الكتاب من أجل انتزاع نصيبهم من القراء، فهم حتى لو استخدموا الوسائل الإلكترونية الاجتماعية، ملتزمون بلغة وأداء يتمسك بالحد الأدنى من الجودة، وعدم التسطيح مما يعد شرطاً يتنافر مع طبيعة ذلك الفضاء والنسبة الأكبر من مستخدميه، هذه الفئة مرشحة لكي يزداد قراؤها سنة بعد سنة، وستشق طريقها بصعوبة ولكن بشكل مؤكد وسط تلك الفئتين المسيطرتين، وفي الغالب إذا استمرت على نهجها سينتقل من سيواصل القراءة من الشريحة الأولى إلى نتاجها، وبتراكم منتجها الموضوعي وتطور تجربتها؛ سيكون مصيرها مصير الكتاب الكبار. بين الأحاسيس التي تنتابنا في أروقة معرض الكتاب، إحساس يجب ألا نتجاهله، أو أن ندعه يمر بنا مرور الكرام، دون أن يخلف تواضعاً حقيقياً داخلنا، إنه إحساس أقرب للسقوط في كوة تنفتح أسفل أرجلنا فجأة، ينتج عن إدراكنا لحقيقة فقرنا المعرفي أمام ذلك الهول الشاسع من المعرفة، الذي تختزنه الكتب. [email protected]