الوطن - السعودية "عندما جاء أمر بإلغاء شرط إحضار الولي لاستئجار المرأة للسكن، عارضه البعض، وربما فسّروه ببعض التوجهات المغرضة في نظرهم، بينما هو أبسط حق إنساني، وما الدليل على المنع إلا التفسير الخاطئ" يبقى كثير من النساء في مُضارّة الزوج سنوات طويلة، ومصالحها متضررة بسبب تعنت زوجها الفاسد ورغبة منه في مضارّتها ومضايقتها، فلا تستطيع القيام بالكثير من حقوقها وحقوق أبنائها إلا بموافقة الزوج وبالبطاقة التي كانت لا تصدر إلا بإذنه! وفي كثير من الأعمال يوجب البعض عليها موافقة الزوج أو الولي! فهل هذا من شرع الله؟ من الواجب على الباحثين دراسة المسألة بشكل محايد متجرد، مستبعدا كل التأثيرات الاجتماعية وغيرها مما قد يحرف مسار البحث بلا شعور! سأجتهد في إظهار ما أراه في ذلك، ولا أدعي كمالا، بل الخطأ وارد وهو أقرب. أولا؛ لا شك أن طاعة الزوجة لزوجها بشكل عام مستحبة مشروعة، وهي من أسباب دخول الجنة كما في الحديث، ولكن الحديث هنا عن الوجوب، فهل يجب على المرأة أن تطيع زوجها في غير ما حرم الله؟ الجواب والله أعلم بعد تأمل النصوص الشرعية في الموضوع؛ أن هناك أمرين: أحدهما أن طاعة الزوج في الفراش واجبة على المرأة بعدة أحاديث بلا شك، وورد وعيد شديد في ذلك، وهذا الأمر يعتبر أساس قوامة الرجل على المرأة. الثاني: طاعة الزوج في غير ذلك، فالأظهر والله أعلم أن طاعته غير واجبة هنا، وإن كانت محمودة ومشروعة، وكل النصوص الواردة في طاعة الزوج هي مرتبطة بالأمر الأول فقط. ومن أقوى أدلة من يرى وجوب الطاعة بالمعروف مطلقا؛ حديث "لو كنت آمراً أحدا أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها"، ولكنه عليه الصلاة والسلام لم يأمر في الحديث، حيث فيه إشارة إلى عظم مكانة الزوج فقط، ويشهد لهذا بعض ألفاظ الحديث حيث أضافت بعدها "والذي نفس محمد بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها كله حتى لو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه"، ففيها الإشارة واضحة بأنها في الفراش وليست في الطاعة عامة والله أعلم، والأصل عدم الوجوب إلا بما يفيدُه. ولذلك بيّن عليه الصلاة والسلام حق الرجل على المرأة في حديث آخر: "فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذنّ في بيوتكم لمن تكرهون"، وهذا مرتبط أيضا بالفراش وحفظ الفرج فقط. وفي حديث نهي الزوجة عن الصيام إلا بإذن الزوج فهو أيضا مرتبط بالفراش حيث جاء في بعض الألفاظ "وزوجها شاهد"، بمعنى أنه لا يشترط إذنه إلا إذا كان موجودا وقادرا على الفراش لكونه قد يمنعه من الفراش، وإلا فلا يشترط إذنه. ويؤكد هذا الرأي القاعدة القرآنية (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ)، فعلى الرجل من الحقوق مثل ما على المرأة من الحقوق، ولكن (للرجال عليهن درجة) كون الرجل تجب عليه النفقة ونحوها، فمن المشروع للمرأة أيضا أن تطيع زوجها وترضى بقوامته وسيادته على البيت بالمعروف، ولكن هذا لا يفيد الوجوب. بعض الفقهاء يستدل بالعرف، وأن المعروف عرفا كالمشروط شرطا، ومن العرف أن المرأة تخضع للزوج وتخدمه، ولكن هذا لا يؤسس لشيء في مسألتنا، فالعرف يسقط هنا باشتراط المرأة ضده مثلا، وما سقط بالشرط فهو غير واجب شرعا في أصله، ولو علم النساء بأن أصل وجوب الطاعة المطلقة للزوج التي يؤسس عليها البعض كل شيء يسقط بالعرف؛ لتمالأن على إسقاطه باشتراط عدمه في العقد! ليس غرض هذا المقال استعراض هذه المسألة الفقهية، وإنما الإشكال أن كثيرا من الحقوق التي تستحقها أي امرأة؛ قد تم ربطها بشرط موافقة الزوج أو حتى الولي، مثل الدراسة أو العمل أو استخراج البطاقة الشخصية وغير ذلك، وهذا في نظري لا أصل له في الشريعة، ولا يوجد دليل عليه فيما أعلم، وحتى لو كان استئذان الولي واجبا شرعا، فأعتقد أن إلزام المرأة به نظاما يؤدي إلى الكثير من المفاسد أكثر من المصالح، ويفضي إلى الكثير من الظلم والتسلط على النساء خاصة الأرامل والمطلقات وهكذا. وكم من امرأة حبست نفسها عن الدراسة والعمل ربما عشرات السنين ثم بعد ذلك يرميها الزوج دون أن يكون لها أي حق عليه! أليس هذا عين الظلم والاستبداد الأسري بشبهة الشرع! الحياة أصبحت أكثر تعقيدا وليست كالماضي، فالمرأة آنذاك بمجرد طلاقها تستطيع إيجاد عمل بسهولة كونه لم يكن يتطلب التعليم والخبرة المعقدة اليوم. فكيف نُلزم المرأة بما لم يشترط الشرع، ثم نزيد عليه بألا نعوّض تلك المرأة التي حبست نفسها وضحّت بزهرة شبابها لأجله! أي عدل هذا؟ ما أكثر الأفكار التي ظاهرها والنوايا حولها حسنة، ولكن تطبيقها مؤدّ إلى مفاسد كبيرة، وكثيرا ما اتُّهم الشرع الحنيف بالحيف بسببها، ولو بحثنا بتجرد لوجدنا أننا قد طبقنا فُهُوما خاطئة ليست من الشرع في شيء أصلا. عندما جاء أمر بإلغاء شرط إحضار الولي لاستئجار المرأة للسكن؛ عارض البعض بحسن نية -ربما- هذا القرار، وربما فسّروه ببعض التوجهات المغرضة في نظرهم، بينما هو أبسط حق إنساني يجب أن يتمتع به الإنسان، وما الدليل على المنع إلا التفسير الخاطئ! وللأسف أن عددا من الرجال يعرف الحال فيماطل طليقته أو زوجته بحيث تبقى محبوسة البيت والمصالح بسببه لاشتراط موافقته، وكم من امرأة ليس لها وليّ إلا أخوها مثلا ثم يبتزها بإيقاف مصالحها التي لا تستطيع تسييرها إلا به كوليّ لها، وربما ابتزها في راتبها ونحوه. لا شك أن ثقافة الشك واستبطان إساءة الظن تسود أفكار بعضنا، نعم يحصل الكثير من المفاسد التي يخشونها، إلا أن الله لم يأمرنا بأن نكون على الناس رقيبا! وقال (لست عليهم بمسيطر)، وقال (ليس عليك هداهم)، ولم يأمر اللهُ ولا رسولُهُ عليه الصلاة والسلام إلا بإنكار الظاهر من المنكر -إن وقع-، وليس علينا البحث عنه وافتراضه في كل كبيرة وصغيره، بل في نظري أن هذا يسيء إلى الشرع كثيرا ويساهم في تشويهه.