المدينة - السعودية ما أجمل وأعمق دلالة تلك الرواية العربية المبثوثة في ثنايا تراثنا التي تقول: إن شخصًا كان يمشي في الصحراء فرأى شيئًا من بعيد فظنّه للوهلة الأولى وحشًا، وحين اقترب منه تبيَّن له أنه إنسان، وحين اقترب منه أكثر وأكثر تبيَّن له أنه أخوه ابن أمه وأبيه، هذه الرواية في التراث العربي تَدلُّ على أن آفة الإنسان هو الجهل، وقديمًا قالوا: «الناس أعداء ما جهلوا»، إنها الحقيقة التي لما تستفيق منها أمتنا المسلمة حتى اليوم، فكثير من خلافاتها سببه الجهل بالآخر، بل والإصرار على عدم الإصغاء إليه، وبالتالي الإصرار على عدم فهمه، وهو ما يجعل العداوة تستشري بين أبناء الأمة، ويدخل الجميع في حرب مستعرة من لا شيء، والأصعب أن وقودها الناس والحجارة دون أن يكون لهم أي حول ولا قوة. تلك هي ملامح أمتنا اليوم التي أراد الله والرسول لها أن تتوحَّد، وأراد الشيطان وأتباعه لها أن تتفرَّق، فكان أن اتبعت بوعي وبغير وعي سُبل الشيطان وتركت داعي الحق، فأدخلت نفسها في متاهات ما أنزل الله بها من سلطان، وتَشدَّد فريق من عُلمائها في رؤيتهم لكثير من مسائل الدين والشرع، حتى إذا لم تمشِ الأمة وفق رأيهم أطلقوا عليها سهامهم، وقاموا بتوزيع صفات التفسيق والتبديع دون وجه حق ودون مستند شرعي أصيل. كم أعجب من أمة عشقت تفتيت نفسها، وإضعاف قوّتها، وإدخال ذاتها في بحر لُجِّي من الخلاف المُضني، وكم أستغرب لبعض إنسانها وقد تفنن عبر تاريخه في مناكفة نفسه، فتراه باحثًا عما يُبعده عن الآخر، في الوقت الذي يسَّر الله له الكثير من مسارات الحياة المشتركة، لكنه وبضيق بصيرته أبى إلا أن ينزلق في مهاوي الشيطان، ويترك فسحة الرحمن. ما يدعوني إلى هذا القول راجع إلى ما يتكرَّر سنويًا من تباين في الرأي -مِن قِبَل البعض- مع كل مناسبة مرتبطة بتاريخنا الإسلامي، وسيرة نبينا سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، في الوقت الذي يمكن أن تتحول المناسبة إلى ساحة اتفاق بين الطرفين، فالجميع يرجو رضاء ربه وبلوغ محبّة نبيه، والجميع يُؤمن بأهمية إحياء سيرة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم في كل يومٍ وليلة، رغبةً في التقرب إلى الله بالصلاة عليه، والأهم رغبةً في ربط سيرته بحياتنا المعاشة، التي باتت مجتمعاتنا الإسلامية تجهلها بشكل كلي، حتى أني أجزم أن كثيرًا من أبنائنا اليوم صار جاهلاً بأبسط المعلومات عن نبيّه، وأوّلها نسبه الشريف، وأسماء من يمتّون إليه بصلة قريبة. فهل يستحق نبينا أن نتحد من أجل بقاء رسالته؟!.. سؤال يستحق أن نجيب عليه عملاً لا قولاً. [email protected]