الجزيرة- السعودية ما زالت ذاكرتي تعبِّر على صور ومشاهد السجينات التي عايشتها إبان عملي الميداني في سنوات سابقة، مستذكرة كثيراً من الاحتياجات التي تنقص هذه الفئة، وإن كانت المرأة -بشكل عام- تعيش قصورًا حقوقيًا فالمرأة السجينة كذلك هي صورة أخرى لتمثيل معاناة الصورة الأكبر والعنوان العريض لأوضاع النساء بشكل عام. ارتبطت بذهني وجوه كثيرة، تزور ذاكرتي كلما طالعت شيئًا عن السجون، كان آخرها خبر افتتاح 5 مكاتب لحقوق الإنسان في السجون الأمنية. هذا الخبر أشعل الحماسة الحقوقية كونه تشكيلاً عالي المستوى، وفكرة رائدة في العالم العربي الذي يفتقر إلى التمثيل الدائم لحقوق الإنسان داخل السجون. ولأن السجين مقطوع عن العالم الخارجي فهو بحاجة لهمزة وصل بينه وبين القطاعات التي يحتاج إلى التواصل معها. ولأن فكرة المكاتب تستدعي الشكر والثناء فإنها كذلك تستحق التعميم، وليس هناك من يحتاج إليها أكثر من النساء. وقد شاهدت بنفسي مدى تعاون مديرات وأخصائيات السجون في نقل احتياجات السجينات للمسؤول، إلا أن هذا الجهد لا يعتبر كافيًا بلا دعامة حقوقية تعمل على بث التوعية والتنوير بالحقوق الأساسية للسجينة، إضافة إلى كونها همزة وصل قانونية وحقوقية تتحدث وفق مبادئ وقوانين حقوق الإنسان الأساسية.. وهذا لن يتم إلا بافتتاح مكاتب لحقوق الإنسان داخل السجون النسائية، تعمل في داخله قانونيات وحقوقيات مؤهلات أكاديميًا وفكريًا، للتعامل مع قضايا السجينات. هذه المكاتب هي جزء من حلول توظيف خريجات الحقوق اللاتي ما زلن ينتزعن حق المرافعة داخل المحاكم، وجزء كبير منهن جليسات البيوت بلا وظيفة، مع أن المجال مفتوح، والحاجة لهن أكبر من تعطيل هذه الطاقات التي تحتاج إليها المرأة السجينة. هل سمعنا أو قرأنا عن محاضرة حقوقية متخصصة في حقوق السجينات؟ الإجابة بكل صدق هي (لا).. وفي سؤال آخر: هل سمعنا أو قرأنا عن محاضرة دينية في سجون النساء؟ الإجابة هي (نعم)، بل هذه المحاضرات تتم بشكل أسبوعي نظرًا لوجود مكاتب دائمة للتوعية الدينية في سجون النساء. ولست ضد هذه المحاضرات، لكنني أتمنى الموازنة وفتح الأبواب للحقوقيات المؤهلات علميًا وأكاديميًا، كما هي الأبواب مفتوحة للداعيات، ومنهن مؤهلات، ومنهن - كما نعلم - سجينات سابقات غير مؤهلات، وهذه ليست قضيتنا إلا أن الإشارة لها مهمة إذا ما أردنا المقارنة، بين تكثيف الضخ الديني، في مقابل افتقاد الجانب التوعوي الحقوقي! أتذكر إحدى السجينات عندما قالت لي: «الله يجزي الأخصائيات خيراً فقد زودوني بكتيب حقوقي، تعلمت منه أموراً غائبة عني». هذه الجملة كفيلة باختصار الواقع، وأن الجهود الفردية في التوعية الحقوقية غير كافية، بل إن المرأة السجينة بحاجة إلى تواصل حقوقي دائم، يمنحها الوعي عند اتخاذ آلية نظامية تكفل لها حقوقها، وتُرشدها إلى المسار الصحيح. افتتاح مكاتب لحقوق الإنسان في السجون النسائية يتوافق مع المواثيق الدولية كافة، كما في المادة الثالثة من حقوق الإنسان، ومواد اتفاقية القضاء على أشكال التمييز ضد المرأة، التي تؤكد نصًا أنه «يجب عدم تعريض السجينات للتمييز»، إضافة إلى أن للمرأة الحق في التمتع على قدم المساواة مع الرجل، بكل حقوق الإنسان، كلها بلا استثناء!