أغلقت مدارس وروضات وحضانات في اليوم التالي لانقضاء المهلة الاستثنائية (التصحيحية) لمخالفي نظامي الاقامة والعمل، وكأن هناك من كان يراهن أن هناك تمديدا أو مخارج بديلة! وفي آخر ساعات المهلة عقدت وزارتا الداخلية والعمل مؤتمراً صحفياً، أُعلنت فيه جردة حساب أولية للتصحيح: 3.8 مليون تجديد رخصة، 2.3 مليون تعديل مهن، 2.45 مليون نقل كفالة، أما التفاصيل والأرقام الدقيقة فستصلنا عبر تقرير إحصائي وعد نائب وزير العمل بإصداره قريباً. الحملة الأمنية الشاملة بدأت بالأمس، ولن تشمل العمالة الوافدة المخالفة، بل كل أطراف المخالفة: العامل، الكفيل رسمياً ورب العمل فعلياً. هناك من يقول إن تكلفة الحملة هائلة وقد «تؤذي» الاقتصاد السعودي، كيف لإنهاء الفوضى أن يؤذي؟ أكبر إيذاء لاقتصادنا هو الاقتصاد «الرمادي» الذي يمارسه عمال وافدون مخالفون ومهربون ومتعاطون، لا أحد يعرف على وجه التحديد حجم هذا الاقتصاد نسبة للناتج المحلي الإجمالي، لكن قيمته تتعدى دون شك مئات المليارات من الريالات موزعة على مشاريع مجهرية وصغيرة جدا وصغيرة ومتوسطة وحتى كبيرة. أنشطة هذا الاقتصاد ليس لديها رخصة أو سجل، ومع ذلك يختطف أربابها الفرص الريادية من بين أيدي أبنائنا وبناتنا دون وجه حق ليزيد المخالفون ثراءً سواء الوافد المخالف أو من يتسترون عليه من المواطنين، ثم نقول لم لا يعمل الشباب لحساب ذواتهم؟ ونلقي عليهم محاضرات عن الريادة والجدّ والاجتهاد، وننظم لهم دورات «كيف تبدأ مشروعاً صغيراً». أتابع سوق العمل السعودي متابعة لصيقة منذ عقود، وأستطيع القول: إن مهلة التصحيح سجلت سابقة أنها تعاملت مع الأسباب الجذرية؛ فسوق العمل تعاني تشوهات مزمنة مرتكزها سوء استخدام العمالة الوافدة إما نوعاً أو كماً أو كلاهما. ولا جدل في أن اقتصادنا بحاجة لاستقدام العمالة، لكنه ليس بحاجة لتشوهات إضافية نتيجة عن عدم انضباط العمالة أو من يستقدمها، وأقرّ كذلك أن أصحاب المشاريع الخاصة قد يعانون بسبب الانضباط الذي أتى مؤخراً لكنهم لو كانوا غير مخالفين من الأساس لما أثرت عليهم الحملة التصحيحية لا من قريب أو بعيد. وبانتهاء المهلة الاستثنائية تبدأ صفحة جديدة ومهمة، بل مرحلة جديدة في تنظيم سوق العمل السعودي تقوم على: 1.معرفة – للمرة الأولى - مؤشرات مبدئية عن السوق كعدد العمالة الوافدة (حقيقةً) وفيما تعمل (حقيقةً) وعند من تعمل (حقيقةً)، 2. إمكانية الارتقاء بزيادة الفرص الريادية المتاحة لأبنائنا ليعملوا لصالح أنفسهم، 3. تحسن فرص استعادة اقتصادنا إلى دوحته أنشطةً رمادية كانت – وما زالت حتى الآن - تمتصه امتصاصاً شعبياً يأخذ ولا يعطي. هذه المكاسب تستحق كل بذل، لكنها مرهونة بفاعلية حملة الضبط واستمرارها. السؤال: كيف نعرف فاعلية هذه الجهود، أي تأثيرها على سوق العمل وعلى الاقتصاد حقيقة؟ بمزيدٍ من الشفافية عبر إتاحة احصاءات العمالة الوافدة بوتيرة منضبطة، وتوفير التحاليل الاحصائية والاقتصادية فصلياً.