دقائق «خاطفة» يمكن أن تطمس مئات الصور المثالية التي تعكس حقيقة أن بيننا من يقدمنا بالصورة المرضية والمشرفة التي تؤكد أننا نجيد أولاً مقابلة الإساءة بالإحسان، ونعرف ثانياً أنه فيما لو طالت الإساءة أو خرجت عن حدود الأدب والمعقول كيف نذهب بصاحبها إلى جهة أمنية أو مؤسسة معنية ونعريه من قبل وبعد بالجرم المشهود، ونغلق فم أي متصيد للأخطاء ومنتظر متصيد لمثل هذه الدقائق المخجلة ليحصر الصورة العامة المؤدبة للسعودي في مثل هذا النشاز والاستثناء. مقطع عامل النظافة الذي تم تداوله في شكل سريع وفيه تلقى الضرب والرفس والإساءة والإهانة، قابلته غالبية المجتمع السعودي بحال شديدة من السخط والتذمر والألم على أن وصلت بنا العنتريات والبطولات الشخصية إلى مثل هذا الجنون والخروج على كل القوانين والقفز حتى لمسألة توثيق هذه البطولة الوهمية، وفي إشارة صريحة إلى أن التنفيذ كان مع سبق الإصرار والترصد، ولأني قلت غالبية المجتمع فيجدر بي أن أشير إلى الفئة الجاهلة المغلوبة على عقلها، والمغلوبون أولئك الذين يرون أنها الضارب «رجل بمعنى الكلمة على تصرفه وهمجيته». المتعاطفون مع الفاعل يبررون التصرف الهمجي بأنه لم يحمل هذا السيل من العنف إلا وقبله كمية من التعدي والسلوك المشين والطعن في الظهر والعرض من العامل، ولو سلمنا بهذا التبرير أو وافقنا على آلية العقاب وأسلوب العلاج لتحول الميدان إلى شريعة غاب ولألغيت كل الجهات الأمنية والتشريعية والقضائية، مع أنني متوقف عند جزئية استدراجه إلى المنزل فما أدركته من تفاصيل المقطع يغلّب جانب استدراجه لا جانب ضبطه بالثانية والدقيقة. الانفعالات اللحظية تقف خلف جل القضايا والوقائع المحلية، وكثير من هذه الانفعالات مبني على حالات متباينة النسبة من الشكوك والظنون والتوقعات، ولا أبرئ ساحة العامل من اقتراف جرم والخوض في محرم، لكني أرفض وبشدة أن نعمد إلى هذه التصرفات الخاطئة المتخلفة، ومستاء من توثيقها وكأننا نوثق لشيء مشرف أو دقائق ترفع الرأس. يجب أن يكون هذا المقطع بين يدي الجهات الأمنية فوراً، ويقف على هرم الملفات التي تعنى بها حقوق الإنسان، ومن ثم تعلن المسببات والنتائج حتى لا نعزز صورة العنف ونردد دوماً أن خلف كل فوضى وهستيريا جريمة من العيار الثقيل، فأنا أقرأ تفاصيل المقطع على أنه يحمل لحظات غارقة في الظلم والعدوانية والانفلات العقلي، كما أنه أفضل هدية قدمت لمن يبحث عن تشويه صورة المواطن السعودي ونعته بالعنف والهمجية والجهل، ولو كان لي من الأمر شيء لعاقبت الضارب والمصور وحاسبتهما على هذه المسرحية الهزلية واكتفيت بما ناله «عامل النظافة» من عنف على مختلف المستويات، فالمواطن وصاحبه لم يعرفا الطريق الصحيح وركبا رأسيهما في حكاية الفعل والتفاعل والغضب، ولو أن عامل النظافة «مات» لحدثت كارثة أخرى، لكنه سيغادر الوطن حاملاً هذه الصورة عنا وعنه، وبعد ذلك نلوم من يختصر المواطن السعودي وعلاقته مع المقيمين في هذا المشهد المخجل.