اعتدت أن أتواجد هنا كل جمعة ما ساعدتني الأفكار وخلايا التفكير بطرح خفيف ساخر، لكن الشارع السعودي ومنذ يومين يتجاذب الرؤى ويتصارع في القناعات عن حادثة التحرش التي كان أبطالها شباب في أحد الأسواق الشهيرة بمدينة الظهران، فكان لزاماً الكتابة في ما وراء الحادثة، وللمصادفة عبرت اليوم على شارع رئيس في مدينتي كان تمشي على رصيفه الجانبي فتاتان في مقتبل العمر، وللحق فقد قامتا بالدور الذي كان موكلاً للنظام المتخفي «ساهر» حين تقلصت سرعات السيارات إلى أقل سرعة ممكنة، ومن ثم بدأت الأصوات الشبابية النشاز في عزف مفردات هابطة تؤكد أننا بحاجة ماسة لفصل مكثف من التربية المحلية كي لا نعيش مع هابطين لهذا الحد، ونبقى متحمسين لتجريم هذه التصرفات المتخلفة، وسحب صاحبها على وجهه لأقرب غرفة مغلقة، فذات السلوك الرديء الذي يتزعمه مع فتاة عابرة يجعله في غمضة عين طرفاً في مضاربة شهيرة أو قضية قتل مخجلة الأسباب. ما حدث في الظهران وملاحقة 15 شاباً ل5 فتيات يحدث قطعاً في الرياضوجدة والدمام وأبها وغيرها من المدن، فقط كانت الصورة الأخيرة موثقة وهذا ما جعلها طافية على السطح الاجتماعي، وإلا فكثير من القضايا المشابهة نشاهدها من دون أن نحاول توثيقها لأننا نخاف من أن يكون التوثيق مغامرة مجهولة واختلاق قضية صغيرة مرشحة لأن تنحرف عن مسارها، وتضيِّع القضية الأساس «صلب التوثيق». التحرش في السعودية لم يصل لمستوى الظاهرة ، لكني أشجع اللغة المباشرة المصرحة عن هذا السلوك المنحرف، والذي لا نملك معه حالياً إلا التعاطف والتفاعل الخجول مع حوادثه الصامتة، فالمقص المنتظر - القانون - لم يُستخرج من الأدراج حتى وإن ظهر مع أول إطلالة مقصاً أعرجاً أو مطاطياً، ولنا أن نعترف باستحالة قص السلوك من الجذور ما دام بيننا فريق بمسمى «مرضى العقول» يضم من بين أعضائه عضو شجع الدرباوية قبل أيام على القيام باللازم، ولكم شرح وتفصيل وتحليل ما خلف جملة عمل اللازم في حال محاولة النساء قيادة السيارة. هذا النوع من هواة اللغة الساقطة والممتلئين بالخراب الداخلي سيتهمون النساء أيضاً بأنهن السبب في التحرش، ولكن بعيداً من أولاد الظهران سيظل التحرش متوفراً عبر أكثر من صورة وكيفية، ومن دون تحرك حقيقي في طريق علاجه. التحرش المحلي الحالي منحصر في «استدراج حدث ومضايقة النساء»، والأرقام التي قدمتها «الحياة» بالأمس أرقام توافرت لدى الجهات المعنية وتم ضبطها، لكنها أرقام مخفية، لم تصل لها يد الرقيب وتصمت عما تعرضت له من باب الصبر على الحال، وإدراكا منها بأن مسلسل البوح والشكوى سيستغرق مسافات طويلة. بقي أن أؤكد بأن ما صاحب الأرقام من مسميات وجنسيات ونسب مئوية وضع السعوديين متصدري الترتيب، فلو قسمنا التحرش خمسة أقسام متساوية لملأ السعوديون ثلاثة منها بالضبط، إذاً الكارثة تبدأ وتنتهي عند تأسيسنا التربوي المهزوز في التعامل مع المرأة والمقدم للشكوك، والممهد للشذوذ!