ولادة أمريكا، كما قلنا مراراً تشبه ولادة أستراليا وإسرائيل حين قامت على إبادة الهنود الحمر واستعباد السود ومبدأ الاستيطان، وهذا متعارف عليه في ثقافة أي شعب، وقد وحد هذا الخليط ثروة الأرض المغتصبة، ولذلك بقي الرابط بين هذا التنوع مادية صاغت بموجبها أدوارها وتواريخ ما بعد نشأتها.. لقد لعبت السياسة الأمريكية دور المحارب وعند بروز أزمة داخلية تفتعل أي مبرر لإعلان حرب على دولة ما أو هز الأسواق العالمية بفعل مناقض للقوانين الدولية، ونذكر أن دخولها الحرب العالمية الثانية لم يكن لإنقاذ أوروبا وإنما مخاوف تمدد الشيوعية عليها، والدليل أن الحلف الذي قام بعد تلك الحرب ظل مهزوزاً وغير متماسك لأنه من المستحيل الركض خلف مغامرات دولة عظمى تسيطر عليها غريزة الحرب، فظلت فرنسا تناقض مواقف أمريكا حين أعلن ديجول مشروعه النووي ليستقل به عن الحلف خشية أن تستخدم أمريكا سلاحها في مواجهة السوفييت واستدعى الأمر انسحابه من الحلف الأطلسي تماماً.. بريطانيا رفضت المشاركة في حرب فيتنام وأقامت عذرها أنها حرب عبثية سبق لبلدين هما اليابانوفرنسا هزيمتهما، وتبقى دول أوروبا الأخرى تبني تحالفاتها على مبدأ مداراة هذه الدولة، والخوف منها بذات الوقت وثبات رابط المصلحة وحتى هذه جعلت التنافس على السوق العالمي وصفقاته يأتي لصالح أمريكا، ونفس الأمر بالنسبة لدول العالم الثاني والثالث، فقد ازدهرت البرازيل في السبعينات، وتفوق اقتصادها على بريطانيا، وحتى لا تبقى منافساً سحبت الشركات الأمريكية استثماراتها فسقطت بأزمة ديون وانخافض صادرات، وهذه النماذج والأحداث تفسر بأن أمريكا لا صديق أو عدو، إلاّ ما يعود عليها بمكاسب تضخ في شرايين اقتصادها وأمنها.. هل تلام أمريكا على تصرفاتها نشر الديموقراطية في بلدان مثل اليابان وألمانيا وتكريس الدكتاتوريات المدنية والعسكرية، وهل ما قامت به من تجسس على حلفائها الأوربيين وغيرهم لخدمة نفوذها وكشف أسرارهم وما يدور بكواليسهم؟ إنها تتصرف وفق أهداف الدولة العظمى، وترى أنها تستخدم حقها في إدارة سياساتها، وهذه الممارسات سبق لدول كبرى أن تضعها في عمق أهدافها والعالم منذ نشأته يدار بقوة النفوذ لا مراسيم العدالة والإنسانية، وسجل الامبراطوريات في التاريخ أنها أخذت بهذا المنهج والأدوار التي تتكيف مع مصالحها. الوطن العربي اصطدم مع أمريكا بعد تثبيت الدولة الصهيونية ولتلاقي المصالح ورثت عن بريطانيا وفرنسا، بعد أفول نجميها وقوتهما ان تعلن نفسها البديل سواء بدعم إسرائيل أو احتكار كل ما يخدم نفوذها بالمنطقة، ولأن كل شيء متغير إلاّ الأهداف، فقد نرى اتجاه الولاياتالمتحدةالأمريكية نحو سياسات جديدة، ولذلك فالاعتماد على حسن النوايا والصداقات الدائمة خطأ استراتيجي لأنها كثيراً ما تخلت عن حلفاء وأصدقاء مقابل تجدد الاستراتيجيات والأهداف، ومثل هذه التطورات لابد من قبولها والتعامل معها بواقعية مع توسيع دائرة العلاقات، وتوسيعها مع مختلف القوى.