يعتقد بعض الحجاج، أن الحج مكان لتصفية حسابات طائفية، أو مشروع لتصدير شعارات تحت مسمى "البراءة من المشركين"؛ لزيادة وحدة المسلمين، وإفشال مؤامرات الأعداء. وكذباً زعموا، إذ لا رفث، ولا فسوق، ولا جدال في البلد الحرام، والأشهر الحرم. والتاريخ يشهد بأن كل من أراد إحداث فتنة في الحج، فإن فتنته تُكشف، وإجرامه يُجهض. تسييس أحد أركان الإسلام إلى فوضى سياسية، لم يُعرف في تاريخ الإسلام، بل لا يوجد مستند شرعي يدل على مشروعيته. وبالتالي فإن تسييس الحج، يُعد إرهاباً للآمنين، وقضّاً لمضاجع الساكنين، وإظهاراً لنعرات طائفية حاقدة، تُعبّر عن انحطاط في الفكر الملوث بمعتقدات فاسدة، تعتقد -مع الأسف- أن الحج مسرح للشعارات، وتصفية للخصومات، وهو ما أكد عليه مفتي جمهورية مصر العربية الدكتور شوقي علام قبل أيام، ب: "أن توزيع الشعارات السياسية أياً كانت، ورفع اللافتات الحزبية في مناسك الحج، أمر محرم شرعاً، وبدعة من بدع الضلالة؛ لأنه مدعاة للفرقة، والتنازع، والجدال، وكل ذلك مناف لمقصود الوحدة، وإخلاص العبادة لله، وفيه استحداث أحوال في العبادة لم يأذن بها الله تعالى". في المقابل، فإن الحج منطلق لأعظم حضارة عرفها التاريخ، ومؤتمر لجمع كلمة المسلمين في نسق واحد في الصفة، والتنفيذ، والأداء، إضافة إلى أنه يُعبر عن وحدة متكاملة في الزمان، والمكان، والشعائر. ومن ثم فإن أي دعوة تعكّر صفو أمن الحجاج، وتجلب لهم الفوضى بأي شعار كان، أو طائفية مقيتة، أو حزبية ضيقة، تُعد دعوى باطلة، ولاغية، لا تختلف عن الطقوس الوثنية، التي عُرفت في ديانات أخرى لا أصل لها. إن من سداد البصيرة، إدراك مقاصد العبادات التي لأجلها شرعها الله؛ وحتى لا يضيع الجهد هباء، فإن تحذير السعودية قبل أيام، بأنها ستقف وقفة حازمة أمام أي مجاميع تريد المساس بشعيرة الحج، يُعد تطبيقاً لمبادئ السياسة الشرعية، كونها مؤتمنة على مصالح المسلمين، وانطلاقاً من قاعدة: "التصرف على الرعية منوط بالمصلحة"، وهذا بيان للحكم الشرعي، بأنه لا يحل لأحد ممن تولى على أمر من أمور المسلمين أن يتجاوز ذلك، وهو مسؤول أمام الله تعالى عن هذه الأمانة.