أن يبرز على ساحة الرأي العام في العالم العربي موضوعاً كموضوع زواج القاصرات فهذا يعني أننا نتراجع في بعض الأمور ولا نتقدم نتراجع إلى حيث عشش الجهل في العقول ودفعت الفتيات وأبنائهن ثمن ذلك الفحش الفكري الذي دفع بالسابقين إلى تزويج الفتاة وهي دون سن البلوغ أو بعده بقليل .وهذا أمر يشكل انتكاسة فكرية نتائجها شديدة الضرر . صحيح أن هذا الزواج لا يعد ظاهرة اجتماعية ولكنه موجود حتى وإن كان بنسب ضئيلة وأياً كانت أسبابه التي تنحصر بين الطمع المادي أو مايتعلق بأسباب يربطونها بحماية الشرف الذي ربط بالمرأة وجسدها قبل أي شيئ آخر . إننا نعود مع هذا الموضوع إلى الوراء عشرات السنوات وكانت تلك السنوات البعيدة مبنية على الأسباب نفسها التي ربطت بدورها مع زواج الرسول صلى الله عليه وسلم وهي ابنة تسع سنوات وهو أمر دحضه التتبع التاريخي لسن عائشة رضي الله عنها حين تزوجت رسول الله وكانت في السابعة عشر من عمرها ولم تكن ابنة تسع سنوات كما تناقل الناس والمؤلفات التي لم يتحر أصحابها الدقة في البحث من أجل الإنصاف بدءا من إنصاف سيرة المصطفى صلوات الله عليه التي أسيء لها كثيراً من خلال هذا الموضوع تحديداً . ثم إنصاف المرأة وحمايتها من بعض المرضى المهوسيين جنسياً . إن كل حالات الزواج المبكر للقاصرات انتهكت فيها براءتهن أولاً فحملتهن أعباء نفسية هن في غنى عنها ، وقضت على حياة بعضهن ثانياً فمتطلبات الحياة الزوجية لا تحتملها طفلة لا نفسياً ولا جسدياً . وكل تلك الصور البشعة التي نتخيلها جسدها لنا مسلسل القاصرات الذي يعرض حالياً على قناة mbc وقد وجدت نفسي أتابعة دون اختيار حتى أني كنت أرى نصفه في الليل ونصفه المتبقي في الظهيرة مصادفة ولكني بعد حين صرت حريصة على متابعته رغم ما يثيره في من تقزز وشفقة على ضحايا ذلك الجانب المخزي الذي يفاخر به بعض الذكور الذين جردوا من المشاعر السوية . ناقش المسلسل بدقة أسباب ذلك الزواج كما ركز كثيراً على مشاعر الطفلة التي سيقت إلى زوج في عمر جدها لتعاشره معاشرة الأزواج وهي تنفر منه قولاً وعملاً ثم تتورط في حمل أشبه بالجريمة التي تحاول التخلص منها بكل وسيلة ممكنه فتنتهي بالقضاء على حياتها . ماهذا الهوس الجسدي لدى كبار غير أسوياء ! هوس يتلاعب بمصير ومشاعر وحياة طفله وما قد تلتقطه أحشائها وما تثمر !! إن عبارات التقزز والخوف والحيرة التي جاءت على لسان الصغيرات في المسلسل رغم بشاعتها لن تكون بالتأكيد مشابهة لما لم تقله من عاشت هذه التجربة القاسية المروعه التي مررتها ودعت إليها عقول لاترى في المرأة سوى أداة تلبي حاجات الجنس الآخر في الدنيا والآخرة وهذا مايروج له دعاة الإرهاب الذي انقسم إلى شقين اجتماعي وسياسي وكان الدين هو مركبهم لذلك للأسف الشديد. في الأول تلاعبوا بالفتيات القاصرات وفي الثاني تلاعبوا بالفتيان فمن يدعوهم للجهاد المزعوم يغريهم بحوريات الجنة والأعداد الغفيرة التي ستحيط به منهن. وفي هذا وذاك كشف لعورات عقول لم تعقل من الدين ما كان عليها أن تعقله بل تمادت وأثقلت كتاب الله بما ليس فيه وفي كلا الحالين هناك جرائم ترتكب لا ينهيها سوى القانون المفصل الذي يدخل حيز التنفيذ بلا تردد ولا استثناء .