البرنامج الذي شغل الأصابع السعودية قدم نفسه بقوة في مجتمع يصعب أن يتقبل بسهولة أي مولود جديد على صعيد القوة والسرعة في آن واحد، خصوصاً إذا كان مولوداً تقنياً. يؤدي هذا البرنامج دوراً مهماً كبريد للأحباب ووسيلة من وسائل العشاق، كما يؤمن بضاعة متردية من الثقافة، ويروج للإشاعات كما لو أن أحداً يروج لأغنية راقية، جماليته في تقريب البعيد والاستغناء عن الاستراحة في شكل موقت، يجعل التعامل سهل في حال اختلف أحد مع زوجته فيمرر العلاقات الصامتة عبر الحروف والإشارات والوجوه الحاضرة بحسب الحال. فشل الجيل الجديد حين تجبرهم التقاليد الاجتماعية على الوجود في المجالس والمناسبات العامة، تشعر أن كل واحد منهم يؤدي دور الآلة الكاتبة التي لا تزال حية عند أبواب بعض مكاتب الأحوال المدنية والجوازات. العدوى انتقلت من الجيل المتقاطع مع البرنامج ومثيلاته من التقنيات لتصل إلى جيل ما قبل الجيل الجديد، فالآباء وجدوا متنفساً وسلوة فيه، يختصر عليهم الذكريات ويكتشفون معه أن العيش بلا تقنية «ردة» ثقافية، ويذهبون برفقته إلى منطقة بوح ملتحفة بالفطرة عبر البرنامج الأكثر رواجاً، الجيل المتجدد يدخل حمى المنافسة بقوة مؤمناً أن التأخر عن الركب يتركك وحدك، وبدل أن يحاسب رعيته صوتياً وشفوياً وورقياً أصبح يحاسبه إلكترونياً و«واتسابياً»! الإدمان هو شعار البرنامج حالياً، وحاولت جهات «ما» غير مشكورة منعه، وإن كنت أؤيد ذلك من وقت لآخر لعلاج الإدمان ولتأخذ الأصابع إجازة موقتة عن العمل الكتابي الرهيب، لكن المحاولات عادت إلى قواعدها سالمة، ولا نريد أن تعود بذات الحماسة حمايةً للجماهير والمستخدمين المتعطلين في غيابه! عيب العقول التي تقود الأصابع أنها امتهنت مهزلة القص واللصق، وتبني مشاكساتها وثقافتها واستعراضها ومعلوماتها على هذه المهزلة، إنها تسهم عبر مرض نفسي وفقر عقلي في ترويج وتمرير الأكاذيب والشائعات وتقدم المجتمع المحلي إما ساخراً من كل شيء أو ناقماً على كل شيء، وبعضهم يحاسبك على أنك لم تكن تنتظره هناك أو تقابل صوته بصدى، طبعاً من دون أن يتنبه إلى أن الفراغ قاتل. بالمختصر الويل كل الويل لأي وسيلة مجانية تقع بين أيدينا فإما أن نشبعها جنوناً وفوضى ونفعلها بطريقة خاطئة حد الإزعاج أو أن نستهلك أوقاتنا في الشكل الذي يعتقد من يشاهدنا عليه أننا فارغون إلى حد الشفقة. «واتساب» يمر من على الشفاه بعفوية لكن لا أحد يعرف ولو معناه العربي لأننا بيئة تستهلك بلا وعي وتستخدم بلا تركيز. وسلامي عليكم وعلى «واتساب» الذي يعتبر المجلس السعودي صغير المساحة كبير التأثير، ويمثل «المقلط» الذي نضع فيه عقولنا تحت درجة حرارة عالية وأصابعنا تحت كمية عمل هائلة لم يكلفنا بها إنسان.