في مساء اليوم الوطني للسعودية قام الإعلامي بتال القوس بوضع تغريدة له في صفحته بموقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، عبّر فيها عن تولهه بوطنه مبدياً حبه ووجده به، وفي الوقت نفسه تقريباً كان أبناء عمومته ناصر وسعود القوس - وهما من صغار السن - يعربان أيضاً عن حبهما لوطنهما ولكن بطريقتهما الخاصة، وهي للتأكيد طريقة معظم شعوب الأرض عندما يغمرون شوارع مدنهم وقراهم متلحفين أعلامها وألوانها، ومرددين نشيدها وأغانيها، هما لم يفعلا أكثر من ذلك، خرجا للشوارع مثل ملايين السعوديين، ولوّنا سيارتهما ووضعا الأعلام والشعارات، وانطلقا فرحين بوطنهما. لم تمضِ سوى دقائق على تغريدة بتال القوس حتى انهمر على صفحته في «تويتر» مئات من الشتائم والانتقادات من أناس لم يفصلوا يوماً بين الوطن ككيان لا مساس به، وبين أداء وزارات تخفق وتصيب، ذلك الهجوم أتى بالطبع ممن تغذى بكره الوطن، وتشبع بفتاوى تحريمه وتجريمه ممن يعتبرونه صنماً يجب أن يكره. لم يسلم أبناء عمومته من التوحش نفسه، لكنه كان هنا توحشاً قاتلاً «للأسف»، إذ اندفع أشخاص يعتقدون أن لديهم من السلطة أو لنقل ما يعتقدون أنه تخويل بسوق الموت للناس، اندفعوا من دون رحمة، من دون تفهم لقلبين غضين كانا سيعودان بعد ساعات قليلة لوالديهما للبحث عن حياة أكرم ويوم أفضل ووطن أجمل. لا فرق هنا بين من أحب وطنه بتغريدة، وبين من أحبه وخرج، كلهم في أعين المذنبون يجب ردعهم والتنكيل بهم. في ظني أن بعض من يقودون آلات الموت تلك يؤمنون بأفكار تحريم اليوم الوطني نفسها، وربما كرهه، وربما أيضاً ببغض من يحتفل به وتحليل الموت والقتل له، تلك الآلة المميتة اندفعت نحو سيارة الشابين كما اندفع أولئك المغردون المتطرفون، لتقذف بهما شهيدين جديدين في حب الوطن، قتل الأول، ولحقه الثاني بعد أن فرغ من زفرات الألم. إنها أيها السادة قصتنا جميعاً مع من يحب الوطن ومن يكره الوطن، مع من خياره الوحيد حب أرضه، ومن لديه خيارات أخرى، مع من يحب الحياة و من يقدس الموت، ومع من يرونه جسراً نحو الرذيلة، بينما نراه جسراً نحو الفضيلة. هناك فرق هائل بين قلبين أحدهما يرى وطنه في مكان آخر، وبين من يرى وطنه هنا بين أضلع الحجاز ونجد وعسير والأحساء وكل «حفنة تراب» تغمر روحه. هم لا يفهمون ولا يتفهمون كيف نحب وطننا، ونحن أيضاً لا نفهم كيف يحبون أوطاناً من «وهم» في رابعة العدوية، وجبال كشمير، وسهول الشيشان، بل لماذا لا يحبون بصدق أكثر سهول تهامة، ومزارع الطائف، وجنائن المدينة، ونخيل الأحساء، ودفء الرياض.