في ظل غياب ثقافة "النقل العام" في دول الخليج من بوابة أن الدول الخليجية غنية مادياً وقادرة على الاستغناء عن النقل العام (وهذا مفهوم خاطئ على أي حال) استمرت الدول الخليجية في التوسع بملكية السيارات الشخصية وحتى الشركات والمؤسسات وأصبحت الشوارع بدول الخليج كأنها مرآب خردة وحديد ومواقف طويلة، اكتشفنا فجأة أننا نعاني "الزحام" وكأنه كان غائبا أن هناك نمواً سكانياً والشوارع والطرق هي نفسها مع توسعات لا تواكب النمو للسيارات بالشوارع ولا يوجد نقل عام، وبنزين وطاقة رخيصة تنافس سعر الماء في دول "صحراوية جافة" استمررنا سنوات، ولكن اتضح لنا وهو مصير حتمي في النهاية لمن يقرأ ويستشرف المستقبل، أننا نستهلك "الطاقة" بسرعة كبيرة قد تصل لنصف ما نصدر وهي الآن ربع ما تصدر المملكة "مثلاً" واختناق بالشوارع والنساء لا تقود السيارات، ونمو وتوسع اقتصادي كبير يستنزف بصورة أكبر كنتيجة حتمية لأي نمو اقتصادي. دول الخليج العربية تبيع الوقود ببلادها أعلى مما يباع بالمملكة، ونعتبر أن سعر البنزين سلعة أساسية وحساسة جدا في تكلفة المعيشة اليومية للمواطنين وهذا حقيقي لا شك، ومع تراجع مستوى الخدمات الطبية والنقل العام وغيره كثير يصبح الوقود كتكلفة لا يشكل رقما مهما، خاصة أنه يستفيد من المؤسسات والشركات والأغنياء وميسوري الحال، وهذا شجع الكثير على تملك السيارات بتوسع فلن تجد فردا لا يملك سيارة وعمره تجاوز 18 سنة أو أكثر، ومع وجود المقيم الأجنبي الذي يتملك السيارة "مهما كان موديلها وقيمتها وهذا موضوع آخر" يصبح نمطا استهلاكيا عاليا جداً ناهيك عن التهريب الخارجي رغم انحساره. والنساء تعاني من صعوبة النقل لأنها لا تقود السيارة ولا يوجد نقل عمل ويطلب حل للبطالة ولا أعرف كيف تتم هذه المعادلة السهلة الحل الصعبة التنفيذ ببلادنا. من هنا وصلنا لمرحلة الطريق المسدود وهو إما توفير نقل عام وشامل يفي بالغرض والحاجة ويخدم الجميع بالمدن الكبيرة قبل الصغيرة وبين المدن الكبرى وداخلها أو رفع الأسعار للوقود "بشرط" أن الرفع يوازي معه توفر الخدمات الجيدة والنقل بما يخدم ويستغنى معه الكثير عن السيارة ويخدم المرأة خصوصاً وتحمل الشركات والمؤسسات أسعاراً مختلفة عن المواطنين. لقد وصلنا لمرحلة لا بد من " قرار" بأسعار الوقود ولن تجدي معها العواطف والنظرة أن الرفع سيعني ضرراً ولكن هناك ضررا أكبر سيقودنا لمسار لا تحمد نهايته وأركز على لا رفع بدون توفير بدائل وخدمات نقل وصحة وتعليم وغيرها وإلا اصبح تضخم سعري وارتفاع للأسعار لا يوازيه ارتفاع في الدخل فنحل المشكلة بمشكلة أكبر. التوازن مطلب والخطط الاستراتيجية البعيدة المدى مطلب ولكن هل بدأنا الخطوات؟ أتمنى لا نكون متأخرين.