لا أزال على قناعة بأن بعض أفراد الهيئة يركب رأسه ويؤمن كمراهق منفلت بأنه «سوبرمان زمانه»، فيستعيد لحظات طيشه في زمانه الأغبر ويرى أن الصلاح في يديه ونهاية البشر الذين يخالفونه تحت قدميه. مهزلة المطاردات لدى بعض أفراد الهيئة لن تنتهي طالما أن القصة تقف عند التحقيقات ولا نعرف شيئاً بعدها، لن أستعرض عدد حوادث المطاردات لكي لا ندخل في مأزق وورطة ما آلت إليه هذه الحوادث أو ماذا حدث بعدها بعد أن تناولها السيد الرقيق الكسول «التحقيق». كُتِبَ منع المطاردات بالخط العريض، وعمم في كل ركن وزاوية، وتم شرحه بالمسطرة والزاوية الحادة، وعلى رغم هذه الاحتياطات والتحذيرات لا يزال المسلسل مستمراً. لنفرض أنه لم يولد منع علني وعبر قيادات هذا الجهاز لهذه السباقات، فماذا نتوقع أن يكون في الميدان؟ وما حجم النتائج المكتسبة بالمقارنة مع الخسائر في الأرواح وفقدان الثقة الاجتماعية حول قدرة هذا الجهاز على تفعيل مسماه على أرض الواقع كأقل الأمنيات؟ وكالعادة منتظر لمن يدافع عن الهيئة في خطأ كهذا، ومستعد لمن يرمي الخطأ على الشارع والرصيف والمارة والطرف الآخر ويحملهم كامل المسؤولية، لأن الهيئة بنظره خط أحمر وجهاز مقدس لا يجوز النيل منه، منتظر كذلك لمن يقول أيا معشر الكتاب أنتم تتصيدون أخطاء الهيئة وتضخمونها ولا تجرؤون على المساس بأي جهاز آخر، إنما لا أتجادل مع هؤلاء كثيراً، لأن العقليات التي يتحدثون بها معارة أو مأزومة أو معبأة أكثر من الحد المسموح به. نحن نتحدث عن جهاز يوجد فيه ثلة من الأفراد الذين يتلذذون بالتفتيش والشك والملاحقة والمطاردة والعضلات، يريدون أن يفعلوا كل شيء، ولا يريدون أن يوقفهم أو يحاسبهم أحد، ذهبوا إلى الوظيفة في الجهاز ذات يوم تحت إيمان ودعم مجتمعي بأنهم بشر مختلفون أو عليهم أن يكونوا مختلفين. حادثة الرياض الآن على طاولة التحقيقات، فقد يحدث أن تتم تبرئة الجهاز، وربما يتحمل نسبة ضئيلة من الخطأ، المعجزة في ما لو تحملت الهيئة كامل الحادثة، على رغم الصور والمقاطع المتداولة تغلب «المعجزة» وتؤيد المهمة المتجددة وهي «الإصلاح عبر المطاردة»، لكن من المنطق أيضاً أن نتوقع أن تفصح التحقيقات عن شيء آخر، قد يتم إحضار قاتل من السماء، وهناك احتمال مراضاة ذوي من مات في مساء الحادثة. لا يهمني إلا محاسبة المطارد حساباً عسيراً، ومعرفة دوافع الملاحقة حتى يتم تفاديها في مسلسل قادم، وفوق ذاك أن نعرف ماذا سيحدث بعد انتهاء التحقيقات، لأن كل قضايانا ومآسينا وعنترياتنا وملفات فسادنا تموت عند هذا الفصل الممل «طور التحقيقات»، وأعان الله رئيس الهيئة الحالي الذي يحاول ويقاتل ليضبط الأجساد والعقول ويحسّن الصورة المهزوزة، لكن عليه ألا يؤمل كثيراً في عقليات ترى أنها كل شيء استناداً إلى الوظيفة المدفوعة ببشت!