الاجتماع الذي عقده التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، في تركيا، لبحث تداعيات ما بعد 30 يونيو في مصر وما نتج عنها من تغيير وسبل المواجهة وخطط التحرك في الفترة القادمة، يوضح أن مستقبل هذا التنظيم الأممي مرهون بمستقبلهم في بلد المنشأ: مصر. البعض استعجل الاستنتاج بأن سقوط الإخوان المسلمين في مصر سيكون بداية النهاية لهم.. وأن بداية مسلسل السقوط لم تكن بتدخل الجيش المصري بل إن المسلسل بدأ قبل ذلك عندما نكث الإخوان بوعدهم بعدم خوض الانتخابات الرئاسية بعد ثورة 25 يناير، إذ كان عدم خوضها قراراً عقلانياً يناسب قدرات جماعة الإخوان بالاكتفاء بالانتخابات التشريعية والمشاركة بالحكومة.. لكنهم لم يكتفوا بنقض ذلك بل دخلوا الانتخابات الرئاسية، مؤكدين قدرتهم على حل مشاكل البلد خلال مائة يوم فقط!! وبعد تنصيب مرسي مضى أكثر من ثلاثة أضعاف المدة الموعودة إلا أن المشاكل تفاقمت، فيما ركزت الجماعة على الاستفراد بالدولة وأخونتها، وصلت إلى حد تحصين قرارات مرسي من القضاء.. ثم عاد الإخوان وقالوا لا يمكن الحكم علينا بسنة واحدة في دولة عميقة! وعلى النقيض من ذلك، هناك من يؤكد أن جماعة الإخوان تعرضت لمؤامرات وأنها أسقطت ولم تسقط، ترافق معها تعرض قيادتهم لاعتقالات سياسية مع حملات إعلامية شنيعة لتشويههم، إضافة لدعوة الجيش الأخيرة للتظاهر لمنحه تفويضاً للتصرف.. أي أنهم الضحية وليس المتهم.. وهذا الظلم سيعيد شعبيتهم التي فُقد جزء منها خلال عام من الحكم، لذا فالإخوان قادمون، فضلاً عن أنهم يتكلمون باسم الشرعية.. كلا هذين الاستنتاجين القطبيين يدخل فيهما الموقف أكثر من التحليل السياسي، فلا بد من تفكيك الحالة التي نتوقع منها الاحتمالات. هناك حالتان رئيسيتان تتأسس عليهما كافة الاحتمالات. الأولى هي حالة الصدمة التي يعيشها الإخوان المسلمون وما نتج عنها من احتجاجاتهم ومواجهتهم لقوى الأمن وإشاعة الاضطرابات. والحالة الثانية نقيض الأولى، هي التهدئة لأن الحكومة الجديدة مؤقتة لأشهر، سيليها انتخابات مفتوحة للجميع. فإذا كان غضب الإخوان المسلمين بأن السلطة سُلبت منهم بطريقة غير شرعية، وأن الطريقة الشرعية هي صناديق الاقتراع، فإن هذه الصناديق أمامهم بعد مهلة قصيرة، التي وافقت عليها كافة الأطراف الأخرى. كيف سيتصرف الإخوان المسلمون أمام هاتين الحالتين؟ المطروح في أغلب التوقعات خياران.. إما أن يتراجع الإخوان المسلمون كطبيعتهم البراجماتية ويدخلون في العملية السياسية الجديدة كأمر واقع أو أن يستمروا في التصعيد حتى ظهور واقع جديد لصالحهم، ويعلنوا مقاطعة الانتخابات كي يؤثروا في مصداقيتها. الخيار الأول يعني تجدد الوضع السياسي ليكون أكثر نضجاً، وستدرك كافة الأطراف بأنه لا يمكن تجاهل أي طرف لأنها مرحلة تأسيس تتطلب مشاركة كافة القوى الفاعلة لا استفراد طرف مهما بلغ حجمه.. أما الخيار الثاني فيعتمد على تطورات الوضع الراهن الذي تتداعى أحداثه يومياً.. فإذا تمكن الجيش والحكومة المؤقتة من الالتزام بالمهلة المحددة وضبط النفس تجاه الاستفزازات وعدم الانجرار كطرف في النزاع السياسي بين فريقين، وضبط الأمن لتهيئة المناخ للانتخابات، فإن مقاطعة الإخوان للانتخابات تعني أنهم سيواجهون حالة العزلة. لكن إذا لم يتمكن الجيش من ضبط الأمن فقد يضطر لإعلان حالة طوارئ وحل الجماعة كتنظيم يعرض أمن الدولة للخطر. وقد يظن الإخوان أن ذلك يدعم شرعيتهم ويحسن من موقعهم السياسي وشعبيتهم في مواجهة الجيش. هذان الخياران يثيران احتمالين نقيضين، يلخصهما تقرير معهد كارنيجي ب"إما الاقتداء بالنموذج التونسي وإقامة تحالف موسع وشامل لإدارة الدولة.. أو السير نحو التجربة الجزائرية التي تميزت بالاستقطابات الحادة ونذر حرب أهلية... فيتعين على القوى العلمانية والإسلاميين العمل معاً، كحل وحيد، للخروج من الأزمة الراهنة". لكن، أليس هناك إلا هذان الخياران؟ هذا تضييق للاحتمالات، فلا مسوغ واقعي لحصر الإخوان في خيارين فقط، بل أمامهم العديد من الخيارات وهم بالأساس أصحاب مناورات سياسية ومراوغات، آخرها وعدهم بعدم دخول الانتخابات الرئاسية الأخيرة لكنهم كانوا أنشط الداخلين. إذ يمكن للإخوان المسلمين أن يجمعوا بين الخيارين النقيضين في وقت واحد، كما فعلوا من قبل في برلمانات قبل ثورة 25 يناير.. فمن جهة قد يُصعِّدون الاحتجاجات وما ينشأ معها من اضطرابات أمنية، ومن جهة أخرى تعلن فئات من الإخوان (تبدو شكلياً بأنها غير إخوانية كحزب الوسط أو أي حزب جديد ينشأ مناصراً للإخوان) عن دخولها بالانتخابات بأجندة الإخوان المسلمين.. أي جناحين، الأول موافق والآخر محتج يعمل على تحسين الموقع السياسي للأول، مع إمكانية أن تظهر قيادات من الإخوان المسلمين تتكلم بصفتها الفردية غير الحزبية وتنخرط في الانتخابات القادمة.. هناك احتمال آخر لا يبدو أنه مرجح، وهو أن تظهر قيادات الصف الثاني أو جيل جديد ينشق على سلفه إذا شعر أن قياداته تقوده إلى طريق مسدود، ونصب أعينهم تجربة تركيا والجزائر.. يذكر الكاتب التركي إسماعيل ياشا أن "نجاح حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا برئاسة أردوغان كان ثمرة المراجعة التي قام بها هو ورفاقه بعد إسقاط حكومة أربكان وحظر المحكمة الدستورية حزب الرفاه، وبعد أن أدركوا أن الطريق أمامهم مسدود.. ولما تعذرت المراجعة والتجديد داخل التيار الأربكاني انشقوا عنه وأسسوا حزباً جديداً. "التبدل الجذري من حزب الرفاه إلى حزب العدالة والتنمية هو في تعديل المشروع الأساسي للحزب من الهوية إلى التنمية.. من الأيديولوجيا إلى الاقتصاد.. لكن جماعة الإخوان في مصر لا تزال مهمومة بأجندتها الأيديولوجية ومنشغلة بصراعاتها السياسية أكثر من طرحها لمشروع توافقي ولإستراتيجية عملية ومشاريع تنموية تُعنى بمستوى المعيشة للناس الذي بسببه اشتعلت الثورة.. تلك الثورة التي لم يصنعها الإخوان المسلمون بل لحقوا بها ثم استعجلوا قطف ثمارها، ناسين أن من أطلقوها كانوا يبحثون عن عيش كريم وليس عن أيديولوجيا عاطفية.. فلم يكن الجيش وحده ضدهم ولا مؤسسات الدولة ولا الأطراف السياسية من الليبراليين إلى السلفيين، بل إن شعبيتهم تدنت بحدَّة لا تخطئها عين المراقب المحايد.. فهل تستمر صدمة الإخوان في حالة إنكار الواقع، أم ستخف، أم ستنتهي؟ يبدو مستقبل الإخوان المسلمين مفتوحاً على احتمالات شتى وليس على احتمالين فقط.