هاتفني جاري قائلا بنبرة حادة: ألا يكفي المرأة أنها تعلمت ثم خرجت للعمل خارج بيتها، ولم يبق إلا أن تزاحم الرجل في مهنة المحاماة. من قال إن المرأة تصلح لهذه المهنة؟ ألا ترى أن المحاماة تتعارض مع طبيعتها كأنثي.. تتصف بالعاطفة وتتسم بالوداعة والرقة.. التي لا تتناسب مع اقتحامهن دنيا الرجال.. مختلطة بالقتلة والمجرمين في ساحة القضاء. أولا إن اختلاط النساء بالرجال في المحاكم والدوائر القضائية ليس بدعا، فالحياة تغص بالذكور والإناث في معظم شؤون الحياة اليومية. ثانيا من قال إن مهنة المحاماة قصر على الرجال.. فلا يوجد نص شرعي أو نظامي يمنع أو يحول دون امتهان المرأة للمحاماة. إننا لا ينبغي يا جاري العزيز أن ننسى أن المرأة عموما تتملكها مشاعر من الخجل والحرج أمام المحامي الرجل إن تبث مشكلتها (الأسرية أو الزوجة.. بينما ما أيسر أن تعبر للمحامية عن قضيتها وتستأنس بها وتبوح بخصوصيتها الزوجية). ولا يفوتك جاري الكريم أن نصف قضايا المحاكم اليوم دعاوى تخص الأحوال الشخصية، وبالتحديد دعاوى الخلافات الزوجية والطلاق والعنف الأسري والخلع والميراث والحضانة والنفقة.. بالإضافة إلى حقوق النساء المالية والجنائية، والتي قد تتعرض المرأة لها، وهي أحوج ما تكون إلى امرأة مثلها تفهم معاناتها. لم تغض الطرف جاري الفاضل عن حقيقة أن المرأة أثبتت وجودها وأظهرت قدراتها في المجالات العلمية والأكاديمية والطبية والاقتصادية والثقافية. من أجل ذلك لم يكن من الغرابة في شيء أن تعلن وزارة العدل عن منح السعوديات تصاريح لمزاولة مهنة المحاماة. وقد صدرت بالفعل أول رخصة (محامي متدرب) لسيدة سعودية هي (بيان محمود زهران). على أن الرخصة التي تمنح للمحامية تتطلب تخصصا في الأنظمة والقوانين، وهذا ما دعا جامعة الملك عبدالعزيز إلى تدريس طالبات تخصصن في الأنظمة، وتخرجت أول دفعة من هذه الجامعة منذ سنوات. كما تخرجت أول دفعة من طالبات القانون في كلية دار الحكمة للبنات. إن المسألة ليست جاري الحميم معادلة حماس أو دفاع عن الذكورة أو الأنوثة، إنما هي الموهبة والكفاءة والقدرة والإبداع، فأي العنصرين يبدي جدارة فهو أحق بها. والمحك هو العمل والإنجاز. ما أحرانا جاري الفاضل أن ندع المرأة وأسرتها من يقرر ما تعمل أو ما لا تعمل، ما أجدر بنا أن ندعها تشق طريقها وتتحمل مسؤولياتها (دون عوائق نضعها في طريقها) في خدمة وطنها كما يخدم الرجل. أليست المرأة مساوية للرجل بشريا وإنسانيا؟ أليس لها من الحقوق والواجبات ما للرجل؟ أليس لها شخصيتها وطموحها وتطلعاتها الذاتية نحو الرقي والتقدم العلمي والمهني والتفاعل مع المجتمع في تنميته الشاملة؟ ألم يختلط النساء والرجال في تاريخنا الإسلامي في الحرب ممرضات.. وفي الأسواق محتسبات وبائعات.. وفي الزراعة حارثات وفالحات؟. صمت جاري مليا، ثم أردف: أستأذنك الآن لنكمل حديثنا في مهاتفة لاحقة. أدركت أن جاري قد استوعب فكرتي، ولكن كبرياءه أبى أن يوافقني.. فهل من يوافقني مثله ولو بينه وبين نفسه؟!