والثلاثية المقصودة هنا ليست ثلاثية نجيب محفوظ المشهورة، ولكنها ثلاثية مستجدة كان لها حضور طاغٍ في العامين المنصرمين، وأظنها ستبرز وتتضخم في المشاهد السياسية المصرية المستقبلية. والثلاثية تتكون من (1) الشعب المهول، الذي يستطيع خلال ساعات أن يغشى الساحات والميادين للمطالبة بما يظن أنه حق له، فقد فعل ذلك في ثورة يناير، وكررها في عهد مرسي، ولم يعد يخشى الخروج عند كل منعطفٍ. (2) الأحزاب، التي تسعى للسلطة، وهي غالباً ركيكة، لا نهج سليم، ولا فكر قويم، ولا مصداقية وطنية، وبمجرد وصولها للسلطة فإنها تتحول إلى عصابات، تبدع في التهرب من المسؤوليات الملقاة على كاهلها، وتحييد المعارضين، والطمع والفساد، والسيطرة والطغيان. (3) والثالث هو الجيش، الذي أيقن في الآونة الأخيرة أنه الحامي الوحيد لكلمة الشعب، وأنه كيان لا يخضع لأي سلطة قد تهز عظمته، وتحد من سطوته على أرض السياسة الداخلية. هذه الثلاثية، التي امتلكت مؤخراً حراك السياسة الداخلية في مصر، وهي، التي ستمتلك وتتحكم في كل ما سيحدث هناك مستقبلاً. فمصر بلد تعاني من الفقر، والجهل، والأمراض، إضافة إلى تردي الخدمات العامة، خصوصاً في الأرياف، ما يجعل نسبة الرضا بالموجود متردية هي الأخرى. وبمعنى آخر أن حصول الرضا العام، أمر بعيد الحصول، خصوصاً مع حرية الإعلام، بطريقة من ابتذالها تصل إلى الهمجية، فتجد قنوات بكاملها يحركها شخص واحد، ويمتلك أن يصعق من خلالها العالم بأفكاره الجنونية، التي تتقلب ساعة بعد ساعة، ولا تحترم أي ثوابت وطنية عقلانية. مصر شربت من نهر الحرية، ولكنها شربت بدون تنقية، فأصيبت بنزلة شعبية، زادت من أوجاعها، وشتتها أكثر، وجعلت حلم ثبات السلطة فيها، ضرباً من المستحيلات. كل شيء في هذا البلد تعطل، السياحة، التي كانت لعبتها، لم تعد تجيدها. المصالح الحكومية، تحولت إلى منابر للجدل، والسب والشتم، ولم يعد المواطن يجد مَنْ يقدم له خدمة. الجامعات والمدارس، ساد فيها العنف، وانقلبت لمناطق نزاعات فكرية، ونسي الطلاب أولوياتهم، وانكمش المدرس على نفسه، وهو يرى أنه أصبح يتعلم بدلاً من أن يُعلم. حكومة الإخوان اختطفت الشارع لفترة من الزمن، وأسقطها الشارع، برعاية الجيش، وسيأتي مَنْ يحاول بعدها، وربما ترضى عنه الجماهير لفترة، ولكن الحال لن يستمر، فستعود الجماهير للشوارع، وسينبري الجيش بوقفة بطولية جديدة مؤيدة للشعب، ومعاندة للسلطة. تلك حلقات لن تنتهي بسهولة، ولن تستقر الأحوال في مصر، إلا لو حدثت معجزة. وأقصد بالمعجزة أن يصل للسلطة نظيف، بنية وطنية سليمة، وديمقراطية، لا تخالطها أي نوازع طائفية، أو عقائدية، أو فساد، وحتى حصول ذلك، فستدوم الثلاثية، وتستمر الفوضى. نتمنى يا مصر أن ينصلح بك الحال، وتلتئم جراحك، وتعالجي أمورك بالعقلانية، وأن يمسك بالمقود بعض أبنائك المخلصين، ممن لا تغيرهم الظروف، ولا تطحنهم الثلاثية برحاها.