ما حدث من إقفال للقنوات الإعلامية الإخوانية، والتحفظ على إعلامييها وحبس بعضهم، لم يكن مشهداً مريحاً حتى لمعارضي الإخوان، وبخاصة أن واحدة من أخطاء الرئيس السابق مرسي التي حُسبت ضده كانت محاولة تكميم الإعلام المعارض ووضع قوانين لإخماد صوته، حتى إنه قيل إن الجيش عندما أقفل القنوات الإخوانية أقفلها وفقاً للنظام الذي وضعه مرسي نفسه منذ 18 يوماً كي يطيح القنوات المعارضة، لكن، كعادة من حفر حفرة لأخيه، فإنه هو وقنواته من وقع فيها. سياسة التكميم لن تجدي نفعاً بل إنها ستمنح المعارض فرصة كي يتباكى أمام الجمهور ويصور نفسه ضحية، ولن يملك جمهوره سوى أن يتعاطف معه أكثر ويبرر كل ما ينجم عنه حتى ولو لجأ إلى العنف. ترك إعلام الإسلام السياسي يتحدث لن يسفر سوى عن شيئين لا ثالث لهما، إما أن ينتج ما ينفع الناس، وهذا مطلب الجميع، أو أنه لن يحرز سوى إنتاج الشتائم والبذاءات. وإن كانت هذه القنوات تمادت في الشتائم والطائفية والتكفير وإشعال الفتن الأهلية في عهد حليفها السيد مرسي فإنها لن تستطيع ذلك بعد خروجه من السلطة وستصبح بمواجهة القضاء مباشرة، وما الموقف الذي أعلنه نقيب الصحافيين ضياء رشوان حين وجّه إلى حزب الحرية والعدالة دعوة لطبع جريدتهم في مطابع الأهرام وسعى إلى الإفراج عن كل الإعلاميين الإسلاميين المتحفظ عليهم، إلا من صلب القيم المهنية والإعلامية بل من روح الإسلام نفسه الذي يدافع عن حرية رأيك طالما أنها لا تحرض على رأي الآخر وحقه. تبقى حال الإنكار التي يعيشها حزب الإخوان اليوم والإقرار بفشلهم، والتوقف عن البحث عما يبرر فشلهم، مثل قولهم إنهم لم يأخذوا فرصة كافية، أو أن المعارضين صبروا على حسني مبارك ثلاثين عاماً، فلِمَ لا يصبرون عليهم أربعة أعوام؟ هم يريدون العمل وفق قواعد عمل رئيس قامت ضده ثورة، وهذا ما عجّل بالثورة عليهم، أو أنهم يريدون أن يبدأ الرئيس مرسي بتعلم السلطة كما يتعلم الحلاق الجديد في رأس زبون، جلدة رأسه مجروحة حتى العظم ويريدونه أن يصبر. أخطأ مرسي في فهم الشرعية فظن أنه الشرعية، وأنه هو الدولة. اعتبر أن صف الناس طوابير لساعات من أجل الحصول على البنزين، وخرق الدستور، وتكميم الإعلام والتضييق عليه ليست أخطاء بل فرص للتعلم تحتاج إلى الصبر ثلاثة أعوام أُخر. وحين خرج الشعب الذي أعلنت حركة تمرد أنها جمعت 22 مليون توقيع تقر بفشله وتطالب بانتخابات جديدة، وحين تدخل الجيش كي يحافظ على الأمن ويحوّل إرادة الشعب إلى قرار سياسي وسلم الرئاسة لرئيس المحكمة الدستورية موقتاً، سمّوا هذا انقلاباً عسكرياً، فيما الانقلاب في علم السياسة هو استيلاء الجيش على السلطة، فكيف أصبح قرار غالبية برعاية قوى وطنية وبحضور شيخ الأزهر والبابا المسيحي وقوى الشباب السياسية بما فيهم حزب النور - وقيل إن حزب الحرية والعدالة دُعِيَ لكنه رفض - انقلاباً؟ أسرع رموز الإخوان، منذ انقلب الشعب ضدهم، نحو القنوات الإعلامية الغربية التي لا تفهم جيداً ما حدث، وأخذوا يتباكون ويصفون ما حدث انقلاباً عسكرياً ضدهم، بعد أن كانوا يعادون أميركا والغرب الكافر وإسرائيل، لكن ما أن يشعروا بأن هؤلاء يقفون معهم حتى يركضوا لأحضانهم ويتعلقوا بهم وبعطاياهم، هل أخطأوا في ذلك؟ ربما لا، فهذه لغة المصالح، لكن لِمَ كانت لغة المصالح كفراً عندما كانت الأنظمة الأخرى تستخدمها؟ «الإخوان المسلمون» لم يقبلوا بالانتخابات واللعبة الديموقراطية إلا عملاً بفقه الضرورة، ففي الضرورات تباح المحرمات، فقد كان هذا هو الطريق الوحيد الذي سيمكّنهم من السلطة بعد أن خاضوا حرباً ثمانين عاماً ولم يصلوا، وحين وصلوا عادوا لفقههم الحقيقي وهو الانفراد بالسلطة ورجم المخالفين بالكفر والسلاح، وهذا ما ترجمته سيدة مصرية لبست عباءة ونقاباً أسودين، ووقفت ضمن حشود المؤيدين لعودة مرسي في رابعة العدوية قائلة: «عاوزين مرسي يرجع فهو جاء وفق الديموقراطية اللي أصلاً إحنا ما كناش قابلينها، لكن أهو وافقنا عليها بس كدا»، فنحن نعلم أنهم وافقوا عليها «بس كدا وكدا».