تأتي إجازة الصيف وتنطلق معها شعارات السياحة المحلية، والدعوة تلو الدعوة لقضاء الصيف في ربوع الوطن ، وهذا بحد ذاته جميل ومطلوب ولا غبار عليه قطعياً، فتفعيل السياحة المحلية مطلب ملح، تم التنبه له مؤخراً والعمل على تنظيم العمل السياحي بإنشاء هيئة عامة للسياحة والآثار، وهذا كله بلا شك يصب في الصالح الوطني. حتى أقترب من الفكرة أكثر أدعوكم للتدقيق في برامجنا السياحية، وإمعان النظر في فعالياتها، فقد تحولت إلى أسواق تجارية تشوبها الفوضى والارتجالية، وصارت متاحف متنقلة ومتكررة للحرف الشعبية، وللمسابقات الجماهيرية الباهتة من قبل مهرّجين نضحك عليهم أكثر مما نبتسم منهم ومن روعة أداءاتهم إلا أن هذه الجهود المبذولة من قبل هيئة السياحة والآثار رغم تنوعها وتعددها ماتزال منقوصة لحاجتها إلى تصورات جديدة، وأنا على علم بأن هذا الرأي لا يرضي العاملين في الهيئة لكون إحصاءاتهم وتقاريرهم عن ردود أفعال الجمهور تؤكد العكس، وقد اطلعت على الكثير من هذه التقارير، وهي تصب في المصلحة والعمل المنظم ولا شك، إلا أن ثمة مسألة غائبة عن هذه الجهود، وهي ركيزة أساسية في قدرة السياحة على تحقيق مستوى الرضا المقبول من قبل السائح السعودي تحديداً، الذي مايزال يحزم حقائبه ويطير إلى شرق الدنيا وغربها، ويصرف المليارات بحسب تقارير أكدت حجم مصروفات السياح السعوديين خارج المملكة. من وجهة نظري أن القضية تتمركز في العقلية المطورة للبرامج السياحية الداخلية، والقدرة على طرح الأفكار الجديدة المدهشة التي نراها حاضرة في أغلب الدول حتى أقربها إلينا كتجربة دبي على سبيل المثال، التي أكدت بأن صناعة السياحة إنما تكون بالأفكار المتجددة، والرؤى الخلاقة، والفعاليات المثيرة للدهشة، وحتى أقترب من الفكرة أكثر أدعوكم للتدقيق في برامجنا السياحية، وإمعان النظر في فعالياتها، فقد تحولت إلى أسواق تجارية تشوبها الفوضى والارتجالية، وصارت متاحف متنقلة ومتكررة للحرف الشعبية، وللمسابقات الجماهيرية الباهتة من قبل مهرّجين نضحك عليهم أكثر مما نبتسم منهم ومن روعة أداءاتهم، وهذا لا يعني أن بعض هذه الفعاليات مرفوضة، فمما لاشك فيه أنها تلقى رواجاً لدى شريحة من الناس، ولكنها صنعت لنا مشكلة حقيقية في تكريس فهمنا الخاطئ للسياحة، فأغلب القائمين على المهرجانات المحلية يظنونها مجرد حرف ومطاعم وأسواق تجارية وكفى. وهو أمر يدعونا للاستفسار عن حالة الإدهاش التي يريدها السائح ويدفع الكثير من النقود من أجل الحصول عليها، فغيابها خلق حالة استنساخ مهرجاني ممل وممجوج، كنت قبل أيام في جولة سياحية في شرق آسيا وبعضها دول فقيرة مقارنة باقتصادياتنا، وكم لفتتني الاستعدادات لاستقبال السياح، وتحديداً السياحة العائلية التي لا يشوبها منقص أو قلق أو إزعاج، أفكار تطرح الكثير من التجدد، وبرامج مبهجة للطفل ولوالديه، وفنادق بأسعار معقولة إلى حد ما، فضلاً عن توافر خيارات عديدة لقضاء أوقات رائعة تبقى في الذاكرة، زد على هذا وذاك الوعي بالتخصص السياحي المفقود لدينا، فإن أردت التراث تجده في برامج قائمة بذاتها، وإن أردت الطبيعة والبحر والجزر فلها برامجها المنظمة تنظيماً رائعاً، وإن أردت التسوق فله برامجه الخاصة به. بقي أن أقول: إن هذا الطرح لا يعني الدعوة للسياحة الخارجية ولكنه دعوة صادقة لتصحيح مسار السياحة الداخلية وجعلها أكثر تنظيماً وأكثر تجدداً وأكثر جذباً وإدهاشاً، بل إعادة صياغة مفاهيمنا لصناعة السياحة، ومفهوم أن تكون لدينا آثار ومواقع سياحية يجب استثمارها بصورة حضارية ومنظمة، بعيداً عن هذه الأزمات التي تختلق بشأن مجرد أثر، تركته حضارات بادت، وبعيداً عن هذا الارتجال البين في التعاطي مع السياحة الداخلية ومفاهيمها.