عبدالله ناصر العتيبي * الحياة اللندينية في يوم السبت الماضي وعلى صدر الصفحة الأولى من صحيفة «الحياة» (الطبعة السعودية)، حذّرت وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية خطباء الجمعة من الخوض في المسائل السياسية والمذهبية، إضافة إلى التعرض للأشخاص أو الدول أو المؤسسات تصريحاً أو تلميحاً. وطالبتهم بأن تقتصر خطبة الجمعة على مفهوم الوعظ والإرشاد. وحذرت من أنها ستحاسب من يقصر في مسؤولياته. وقال وكيل الوزارة الدكتور توفيق السديري للزميل عبدالرحمن باوزير: «إن الخطباء الذين يتطرقون في خطبهم للمسائل السياسية والحزبية مقصرون طبقاً لقوانين الوزارة». وشدد على أهمية أن تكون الخطبة وفق الهدي النبوي، وأن تقتصر على مفهوم الوعظ والإرشاد، وتذكير الناس بأحكام الدين وفضائله. وأشار السديري إلى أن استغلال منبر الجمعة في المسائل السياسية أو العصبية أو الحزبية، إضافة إلى التعرض للدول أو المؤسسات، تصريحاً أو تلميحاً، يعد تصرفاً مخالفاً». كلام الدكتور السديري جميل بلا شك، لكن السؤال: ما هو الإجراء الذي اتخذته أو تتخذه وزارة الشؤون الإسلامية للتعامل مع المخالفين؟ قبل شهر تقريباً، صليت الجمعة في أحد المساجد البعيدة عن منزلي. كان الخطيب (جزاه الله كل خير) يتحدث في خطبته عن مبدأ التسامح، وضرورة أن يبتعد المسلم عن الغل والكراهية والبغضاء والشحناء. وكان يضرب الأمثال، ويورد القصص «السلفية» التي تبيّن عظمة هذا المبدأ وارتفاع منزلة المتصف به والتي «قد» تصل إلى الجنة كما في القصة التي توردها الكثير من الكتب التراثية التي تقول إن الرسول صلوات الله وسلامه عليه كان يصف رجلاً من صحابته بأنه من أهل الجنة، من غير فعل ظاهر يختلف عن بقية الصحابة، وهذا ما دعا الصحابي الجليل عبدالله بن عمرو بن العاص لأن يطلب أن يكون ضيفاً عند الرجل في بيته لمدة ثلاثة أيام ليعرف ما هو العمل الذي أوجب دخوله الجنة. وبعد مضي الأيام الثلاثة، لم يلحظ ابن عمرو بن العاص أي عمل يختلف عن الأعمال التي تعود عليها الصحابة، فسأله عن أعماله بعد أن أخبره بما يقوله الرسول صلى الله عليه وسلم عنه. وكانت إجابة الرجل أنه لا يتذكر فعلاً ما الذي يميّزه عن غيره، اللهم أنه لا ينام كل ليلة إلا بعد أن ينظف قلبه من الغل والكراهية. استخدمت «قد» في بداية القصة السابقة لأبيّن فقط ارتهاننا «للنقل المقدس»، ففي هذه القصة آمنا جميعاً بأن سبب دخول الرجل الجنة عدم غلّه وبعده عن الكراهية، بينما قد يكون له عمل آخر «غير مدرك وغير مكتشف»! لأن ما وصلنا من نتيجة كان نقلاً من عبدالله بن عمرو وليس نطقاً رسولياً. ولم يصلنا في ما أعرف حديث لاحق للرسول يؤكد فيه سبب دخول الجنة! عموماً هذا ليس موضوعنا، وإنما موضوعنا عن الخطيب الذي ما أن أنهى خطبته عن التسامح، حتى بدأ في الدعاء على كل المخالفين للمذهب الذي يتبعه، مستخدماً مسلكاً دعائياً شديد التطرف ومليئاً بالغل والكراهية والبغضاء! وأعود لأسأل الدكتور السديري عن الإجراءات الذي اتخذها مع هذا الخطيب، أو التي سيتخذها ليضمن تحقيق الهدف الأسمى من جمعة المسلمين! كانت خطبة الجمعة في «الإسلام الأول» الوسيلة الاتصالية الوحيدة التي يتم من خلالها نقل الرسائل المهمة لعموم المسلمين. كانت الجمعة زمناً ومكاناً بمثابة نقطة الاتصال بين الحاكم ومعاونيه من جهة وبقية الشعب المسلم من جهة أخرى، لذلك لم تقتصر الخطب على الوعظ والتذكير فقط، وإنما كانت قناة اتصالية صاعدة نازلة تحمل الأخبار السياسية والعسكرية والأنظمة الحكومية نزولاً، والانتقادات والمطالب الشعبية صعوداً. كان الحاكم المسلم يصل لشعبه من خلال خطبة الجمعة، والشعب يصل لحكومته عبر الوسيلة الاتصالية الوحيدة والمضمونة في ذلك الوقت. واليوم مع تعدد الوسائل الاتصالية وتنوعها، فإني اقترح على وكيل الوزارة الدكتور توفيق السديري الآتي: أولاً، عقد ورش عمل كل أسبوع، ولتكن يوم الأربعاء، تجمع مندوبين من وزارة الشؤون الإسلامية وخطباء المساجد وممثلين من المجالس البلدية المحلية، لتحديد عنوان ومفردات خطبة الجمعة المقبلة. وليكن في كل ورشة عمل عدد من الخطباء لا يقل عن 100 خطيب، بحيث تشمل هذه الورش عموم المملكة. ثانياً، إلحاق مبان مستقلة ببعض المساجد الكبيرة، تنقل خطب الجمعة بلغات الجنسيات ذات الغالبية في المنطقة التي يوجد بها المسجد، وتضمين الخطبة دائماً بعض رسائل وزارة العمل أو الجوازات أو غيرها من القطاعات التي تتماس أعمالها مع أعمال العمالة. ثالثاً، تضمين الخطب دائماً بما يهم حياة الناس «الدنيوية» انسياقاً مع الهدف الرئيس من الاجتماع، كبث الرسائل التوعوية لمختلف القطاعات الحكومية. رابعاً، استخدام خطبة الجمعة في تعزيز الأعمال التطوعية، من خلال التذكير في كل خطبة بمصارف الأعمال التطوعية في حي المسجد، لتحقيق أحد أسمى الأهداف لاجتماع المسلمين. من أكبر الأخطاء يا سعادة الوكيل ترك الخطباء يختارون خطبهم بأنفسهم ويفرضون رؤاهم ومعتقداتهم على جموع المسلمين وهم في نهاية الأمر موظفون رسميون في وزارتك! ومن أعظم الأخطاء وأفدحها السماح لهم بالتصدي للعلاقات الدولية والمشاغل السياسية، بعد انتقال الخطبة من حق خلافوي أو إمامي في سلف هذه الأمة إلى وظيفة مدفوعة الأجر في هذا الزمن!