الثقافة القانونية لازمة في حياتنا المعيشية، فلا يمكن أن تقود السيارة - مثلًا - بلا معرفة لقوانين المرور، وهكذا في شتى ميادين الحياة حيث لا بد فيها من التنظيم لجلب المصالح ودرء المفاسد، وعليه فيجب على كل دولة أن تُشرِّع القوانين المحققة لمصالح الناس المعتبرة وبما لا يخالف الشريعة الإسلامية الغراء، وكذلك يجب على الناس أن يعرفوا هذه القوانين (الأنظمة) ويعملوا بها تحقيقًا للمصلحة العامة المشتركة فيما بينهم. ويجب علينا كمتخصصين في الشريعة والقانون وممارسين للقضاء والفتوى فضلًا عن الشورى والتشريع أن نبادر بتثقيف الناس في هذه الأنظمة واللوائح والتعليمات، وهذا من الاحتساب في سبيل الله والجهاد لمرضاته تحقيقًا لمصالح العباد والبلاد. ولذا بادرنا خلال السنوات العشرين الماضية بالتوعية عبر التلفزيون والإذاعة والجريدة، ثم بالإعلام الجديد عبر الصحف الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، فأنشأت حسابات خاصة في تويتر وفيسبوك ويوتيوب لهذا الغرض، بالإضافة للبرامج التواصلية بالصورة كانستجرام والفيديو ككيك والصوت كببلي وغيرها، وكل ذلك يصب في مصلحة الوطن والمواطنين، وهكذا تتجدد وسائل الدعوة والإرشاد في عصر العولمة التقنية. وخلال هذه الأيام بدأنا بفكرة جديدة للاستفادة من التواصل المرئي فقمنا بتدشين مشروع قناة يوتيوب لبرنامج قانوني تحت وسم «#الأريكة»، وذلك توصيفًا لجلوسي مع مقدم البرنامج في أريكة واحدة لتعطي الانطباع بالقرب من الناس والعمل على خدمتهم بتثقيفهم، وقد تم تسجيل عدة حلقات وستنشر باكورتها قريبًا بإذن الله، ومن ثم سنطور المشروع إلى برنامج فضائي مباشر نستقبل فيه الأسئلة والاستشارات القانونية، وكل هذا بشكل مجاني وبدون أي مقابل سوى الاحتساب لله تعالى في خدمة الناس. وكدليل على كون الثقافة القانونية مؤثرة في الوقاية من الجريمة على سبيل المثال، فأعرض على القراء الكرام تجربة شخصية بهذا الشأن، حيث لم يكن يعرف الكثير من الناس أن هناك نظامًا لمكافحة جرائم المعلوماتية، وبالتالي وجدنا الاعتداءات على الناس في تويتر وغيره، فلا الجاني يعرف أنه مرتكب لجريمة قد يعاقب عليها بالسجن لسنوات وملايين الريالات، ولا المجني عليه يعرف بأن له حقًا قانونيًا يمكنه من الاقتصاص من الجاني وكف أذاه، وهذا بسبب قصور وسائل الإعلام وكذلك مناهج التعليم اللتين لا تقومان بالتربية والتعليم والتثقيف اللازم، وحينما بدأت بتدشين حملة لمكافحة الشتم عبر هاشتاق في تويتر خاص بذلك، وتزامن معها رفعي لبعض القضايا بموجب هذا النظام، فعرف الناس واجباتهم وحقوقهم، فرأينا كيف تغير الواقع وغاب التكفير وقلّ التشهير وانحسر الشتم عمومًا، وذلك بسبب وعي المعتدى عليه بحقه ولجوئه إليه عبر القضاء، ووعي المعتدي بخطورة ما يقدم عليه وبالتالي يكف نفسه ذاتيًا عنه، وكما قيل (من أمن العقوبة أساء الأدب)، وقيل (المال السائب يعلم السرقة)، ومع أهمية التوعية والترغيب بهذا الشأن إلا أنه لا يفيد لوحده ما لم يكن معه الوعيد والترهيب، وكما قال عثمان بن عفان رضي الله عنه: (إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن)، فالشارع الحكيم جل وعلا جعل العقوبات في الدنيا بالحدود والقصاص والتعازير وفي الآخرة بالنار، ولو لم يكن هناك عقوبات دنيوية وأخروية لما التزم الكثير من الناس بذلك. وبرنامج (الأريكة) عبر اليوتيوب يأتي في سياق المشروعات الإعلامية المجانية الاحتسابية الفاعلة لتحقيق مناط الخيرية للأمة في التزامها بثوابتها الشرعية والأخلاقية، وسيكون لكل حلقة بإذن الله معالجة خاصة لقضية هامة من هموم المجتمع، والدعوة إلى الله ليست مقتصرة على خطبة في منبر الجمعة أو محاضرة في مسجد أو كتاب أو مطوية أو شريط، وإنما مع تطور التقنية أصبحت الدعوة أكثر أهمية وجدوى في وسائل التقنية وعلى رأسها مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات الهواتف الذكية، ويأتي يوتيوب في المقدمة مع تويتر، لاسيما والسعودية أكثر بلد في العالم تصفحًا ليوتيوب وذلك نسبة لعدد السكان، فصار لكل فرد قناته المرئية الخاصة وتكافأت الفرص في بثك لصورك وصوتك وكتاباتك، ونسأل الله أن يستخدمنا في طاعته وينفع بنا الإسلام والمسلمين.