في الأيام الماضية احتفظت بموضوعين صحافيين الأول نشر في «الحياة» بعنوان «أجهزة حكومية تنتقد لائحة التعليم الإلزامي وتعتبرها مساساً بالحرية الشخصية»، والثاني في صحيفة «الرياض» بعد أيام عدة بعنوان «توصية للرفع للمقام السامي بإدراج شرط تعليم الأبناء في عقد النكاح بين الزوجين»، احتفظت بهما لأكتب عن خطوة إيجابية قامت بها اللجنة العليا لسياسة التعليم في المملكة بوضع عدد من الضوابط والعقوبات المبدئية ضمن مشروع إلزامية التعليم للأطفال من 6-15 عاماً، أي أن هناك عقوبات ستطاول ولي الأمر في حال عدم التزامه بتعليم أطفاله تبعاً للمشروع المقترح. اعتبرت الموضوع في حال دخوله حيز التشريع ومن ثم التنفيذ منعطفاً ثقافياً واجتماعياً سيؤتي أكله الاقتصادية والحضارية مع الزمن، ولم أكن الوحيد الذي توقفت عند العناوين، إذ سبقتني الزميلة الدكتورة أميمة الخميس وتناولت الموضوع من زاوية جميلة هي «الوصاية الوالدية» كما سمّتها في مقالة بعنوان «حدود الوصاية»، تطرقت فيها إلى تجربتين أميركية ونيوزيلندية، ولفتني مما قالت في مقالتها «والسؤال الذي ما برح غامضاً: متى تستطيع الدولة أن تتدخل لحماية الطفل وتقتطع بعضاً من الصلاحيات الوالدية لصالح الطفل أو لحمايته؟ وفي ظل النظام الأسري المغلق لدينا على العيب، وستائر الصمت المسدلة يبدو هذا الأمر صعباً ومقلقاً اجتماعياً، داخل محيط محافظ وحريص على واجهاته الاجتماعية». وأقول إن الإلزام مهم وضروري للصالح العام، لكن إيقاع عقوبات سيكون صعباً نظرياً وعملياً، خصوصاً لوجود تقاطعات ثقافية واجتماعية نؤمن بها تبدأ من الحديث الشريف «أنت ومالك لأبيك» ولا تنتهي عند السياق الأسري أو القبلي، مروراً بكثير مما تعرفون، لكن الأجدى هو الإلزام مع منع بعض الخدمات أو الإجراءات عمن لا يلتزم، مثلما فعلت الحكومة لإجبار الناس على التطعيمات الأساسية، حين ربطت إصدار شهادة الميلاد الدائمة بذلك فترة من الزمن، حتى اعتاد الناس، وازداد الوعي بأهمية ذلك، فرفعت عنهم هذا الجزاء، وتولت وزارة التربية اشتراط إكمال التطعيمات عند التسجيل في المدرسة. أيضاً من المهم القول إن إلزام الحكومة الناس بذلك، يقتضي أيضاً أن تلتزم هي بعدم إيصال أية أسرة إلى حال اضطرار تقدم معها على هذا الفعل السلبي، فلا يكون هناك مجال لفقر مدقع يضطر أحدهم لإخراج ابنته من المدرسة لتزويجها، أو ابنه لتشغيله وهو طفل - مع الاعتراف بأن البعض يفعل ذلك جهلاً وليس فقراً. في بعض دول العالم تتدخل الحكومة في الوصاية الوالدية كما تسميها أميمة الخميس بوجود قدرات بشرية وأنظمة قوية وإمكانات واضحة لتبنّي أدوار تصل إلى سحب الأبناء من ذويهم عند الإضرار بمصالحهم، ونحن لا نريد الوصول إلى ذلك، وأتمنى ألا نصل، لكن يجب علينا أيضاً الاعتراف بأننا في هذه المنطقة لا توجد لدينا بنية تحتية قوية، لاعتمادنا ردحاً من الزمن على فطرة المجتمع السليمة وقلة عدده، فكان اضطرار الحكومة لذلك محدوداً، وهي ليست الحال اليوم.