أفضت الخلافات التي عصفت بمجالس بعض الأندية الأدبية وانتهت باستقالة أعضاء في تلك المجالس إلى تعطيل الأنشطة الثقافية في تلك الأندية، كما عكست تلك الخلافات صورة سيئة تتمثل في عجز المثقفين عن إدارة شؤون الثقافة، وفشلهم في التصدي للمهمة التي كانوا يتوهمون أنهم قادرون عليها وأعرف الناس بها، ولعل الأسوأ من ذلك كله ما تركوه من انطباع عن فشل الاعتماد على الانتخابات كقاعدة لإدارة شؤون الثقافة، وهو الانطباع الذي يجد ما يدعمه عند المقارنة بين ما كانت تتمتع به مجالس إدارات الأندية الأدبية من استقرار طوال السنوات التي كانت تعتمد على التعيين في تحديد أعضاء مجالس إداراتها بالمحالس الحالية المنتخبة، وما تشهده من صراعات تتحرك في دوائر ثلاث، تتمثل الدائرة الأولى في العلاقة بسن أعضاء مجالس الإدارة، والدائرة الثانية في علاقة مجالس الأندية بالجمعيات العمومية في مناطق تلك الأندية، أما الدائرة الثالثة فتتمثل في العلاقة بين تلك الأندية ووزارة الثقافة والإعلام. وحين تنتهي تلك الخلافات إلى تشويه مفهوم الانتخابات، وتكريس تصور أننا شعب لم يبلغ من الرشد ما يجعله قادرا على معرفة ما فيه مصلحته وتحديد اختياراته، فإن ذلك يعني أن ما يحدث في الساحة الثقافية من شأنه أن يعد خذلانا للشعب بأكمله، وتشويها لصورة المواطنين جميعهم، وتعطيلا لآمال تتطلع إلى تطبيق قانون الانتخاب في مؤسسات وأجهزة أخرى هي أكثر حضورا وأهمية في حياة المواطن من الأندية الأدبية. ولم يكن لكل تلك الخلافات التي عصفت بمجالس إدارات الأندية الأدبية، وأربكت علاقتها بالجمعيات العمومية في مناطقها، وأشغلت وزارة الثقافة التي باتت في حيرة من أمرها في كيفية التعامل مع هذه الخلافات، لم يكن لكل تلك الخلافات أن تحدث لو أن إدارة الثقافة في الأندية الأدبية، وقبل ذلك عملية الانتخاب، كانت تستند إلى لائحة صحيحة سليمة واضحة. إن كل ما تشهده الأندية الأدبية من خلافات وصراعات إنما هو نتاج طبيعي لتلك اللائحة المرتجلة التي تشكل القاعدة القانونية لعمل الأندية الأدبية، بدءا من مفهوم العضوية في الجمعية العمومية، وانتهاء بعلاقتها بوزارة الثقافة. إن وزارة الثقافة عليها أن تدرك أن ما يحدث في بعض الأندية الأدبية مرشح لأن تتسع دائرته ليحدث في أندية أخرى، وأن أي محاولة لترميم العلاقات المتهتكة التي أدت إلى الخلافات لن يكتب لها النجاح، أو سيظل نجاحها موقوتا ما لم تراجع وزارة الثقافة تلك اللائحة المرتجلة، فإصلاحها أولى وأهم من إصلاح ذات البين في مجالس الأندية الأدبية.