انتصر لنا مفوض شرطة بوسطن حين خذلتنا بعض وسائل الإعلام العربي والمحلي، ونشطاء سطح المكتب في العالم الافتراضي، ليقدمونا قربانا لسبق صحفي أو صراع تياري لم تكن ظهيرة يوم الاثنين في بوسطن اعتيادية، كانت مليئة بالفرح والبهجة احتفالا بسباق الماراثون ال117 لهذه المدينة الجميلة. سباق الماراثون البوسطني السنوي هو حدث عالمي، وقبلة للأشخاص كبارا وصغارا من جميع بقاع الأرض، وتظاهرة اجتماعية صحية تتخطى الحواجز الدينية والسياسية لتثبت أن الرياضة قادرة على توحيد الشعوب. زينت أعلام الدول خط النهاية للماراثون، وتجمع الناس يمنة ويسرة لتشجيع المشاركين من كبار السن والأطفال، الذين شاركوا أهاليهم على الأقدام، وفي عرباتهم فقط، لتتحول هذه اللحظات الجميلة لمأساة بانفجارين يهزان الشارع لتتطاير الشظايا وتتهشم الواجهات ويصاب من يصاب ويقتل من يقتل. لم تمر دقائق على الانفجار حتى تراكض الإعلام العربي بوسائله التقليدية والجديدة للإعلان عن المشتبه به "السعودي" بسرعة فاقت سرعة تراكض رجال الشرطة ووحدات الإسعاف على الأرض في بوسطن. لم يقف هذا الإعلان عند هذا الحد بل تلقفته الأيدي المنتنة في "تويتر" ووسائل التواصل الاجتماعي الأخرى لتستخدمه مجددا كحجر على لوح شطرنج صراعاتها التيارية المقرفة. هذا الإعلان عن المشتبه به تم أخذه من صحيفة صفراء أميركية، قد نتفهم أسباب رميها بهكذا أخبار في وقت صعب، ولكن ما لم أفهمه كمبتعثة في بوسطن وكمواطنة سعودية، أن تقوم وسائل الإعلام العربي وبعض الصحف المحلية عبر رسائلها العاجلة عن طريق الجوال بتداول هذا الخبر في استماتة للحصول على سبق صحفي ولو كان على حساب التبعات التي تليه على الأرض، والتي يتكبدها المبتعثون لا نشطاء سطح المكتب. ما لم أفهمه كمبتعثة في بوسطن وكمواطنة سعودية، أن يتم استخدام حدث مريع كهذا في تأجيج صراع تيارات ممل أزكمنا منذ الأزل من قبل أشخاص لم يملكوا المروءة الكافية ولا الحد الأدنى من الأخلاقيات بأن يصمتوا ويفكروا للحظة بالمبتعثين الذين يصارع بعضهم جراحه في المستشفيات، ويصارع بعضهم الخوف ومحاولة العودة بأمان لمنازلهم.. وأن يصمتوا ويختاروا قضية أخرى وحجر شطرنج آخر غير مبتعثي بوسطن لممارسة لعبتهم المقززة. ما لم أفهمه كمبتعثة وكمواطنة سعودية أن يتصارع السعوديون في العالم الافتراضي حول مصداقية وسائل الإعلام ومطالبات الاعتذار، بينما واجه، وسيواجه، بعض المبتعثين موجات غضب في مواقف الحافلات مباشرة بعد الانفجارات، كيف لا ووسائل الإعلام العربي والمحلي ونشطاء العالم الافتراضي يتحالفون مع صحيفة صفراء ويتصارعون لتعزيز هذه الصورة النمطية عن المواطن السعودي بأميركا. ما أفهمه كمبتعثة وكمواطنة سعودية أن الملحقية قامت مشكورة بالاتصال، وإعادة الاتصال، بنا فردا فردا للاطمئنان علينا، وما أفهمه أن الرسائل لم تتوقف من جامعاتنا والمسؤولين في المدينة لتنبيهنا وعرض الخدمات الداعمة بشتى أنواعها، وما أفهمه أن مفوض شرطة بوسطن ظهر على الشاشة ليبدأ حديثه قائلا: "أريد تصحيح ما يتم تناقله عبر وسائل الإعلام عن وجود مشتبه (ما) في أحد المستشفيات يخضع للاستجواب، لا يوجد مشتبهون ولا متهمون حتى اللحظة، وإن ما نقوم به هو تحقيقات".. لينتصر لنا مفوض شرطة بوسطن حين خذلتنا وسائل الإعلام العربي والمحلي ونشطاء سطح المكتب في العالم الافتراضي ليقدمونا قربانا لسبق صحفي أو صراع تياري. ما أفهمه كمبتعثة وكمواطنة سعودية أننا أمسينا في بوسطن ندعو بالشفاء للمصابين السعوديين، وأن يمن عليهم بالشفاء العاجل، وأن يطئمن قلوب أهاليهم، وأمسينا ندعو بأن تمر الأيام القادمة بسلام على المبتعثين والمبتعثات لتستمر رحلة مواطنتهم بعطاء وتحصيل علمي يرفع علم المملكة في محافل التخرج والإنجاز. غابت شمس بوسطن بحزن على الأرواح البريئة المفقودة والجرحى الذين امتلأت بهم المستشفيات لتشرق على وطن ننتظر منه أن ينتصر لأبنائه المواطنين والمواطنات فهو أجدر وأحق بهذا الشرف.