كل أميرٍ مواطن، والقيمةُ الممنوحةُ للأمراء تتعلقُ بالجانبِ الاجتماعيِ أكثر مما تتعلق بالحقوقِ والواجبات، فالفارقُ بين المواطنِ الأمير و المواطن العادي هو فارقٌ اعتباري لا يمنحُ الأميرَ الحقَ في أن يحصلَ على مكاسبَ إضافيةٍ لا يحصلُ عليها المواطنُ العادي، إذ لا يوجدُ في النظامِ السعودي – حسب ما أعرف – ما يمنح الأميرَ ما لا يمنح غيرَه، ومع ذلك فإن هذا الفارقَ موجودٌ على أرضِ الواقعِ ومن الصعبِ تجاهله أو إنكاره، لكن مَنْ أوجدَ هذا الفارق؟!، ولماذا نترددُ في نقدِ المؤسساتِ حين يكونُ على رأسها أمير، بينما نسارعُ إلى نقدِها حين يكونُ على رأسِها مواطنٌ عادي؟!، ولماذا نقبلُ دعاوى الإصلاحِ حين تأتي من الأمراء، بينما نرفضُها إلى درجةِ التخوين حين تأتي من المواطنين العاديين؟!، مع أن أغلبَ الأمراء يؤكدون على أنهم مواطنون، وشرفُ الانتماءِ للأسرةِ المالكةِ لا يمنحُهم حقوقاً بقدرِ ما يحمِّلهُم مسؤولياتٍ كبرى، و هو ما أكده الأميرُ الوليد بن طلال في لقائه الأخيرِ مع روتانا خليجية، في حينِ أن الهالةَ التي أُحِيطَ بها هذا اللقاءُ تؤكدُ خلافَ ذلك، فلأولِ مرةٍ أشاهدُ لقاءً يكون عددُ المحاورين فيه أكثرَ من عددِ الضيوف، والطاولةُ التي يستخدمُها الضيفُ تعدلُ في مساحتِها طاولاتِ المحاورين مجتمعةً، مع أنَّ المحاوَرَ ليس له صفةٌ رسميةٌ، ورأيه في النهايةِ لا يعدو أن يكونَ وجهةَ نظر، وفي ذلك ما يشي من الناحيةِ النفسيةِ – على الأقل- بوجودِ فارق، وعندما أحاولُ تفسيرَ ذلك، فإنَّ أولَ ما يتبادرُ إلى الذهنِ مقالاً كتبه أحدُ الكُتَّابِ السعوديين قبل أكثرِ من أربعةِ أعوام (متهولاً) أن أميراً ركب معه في نفسِ الحافلةِ التي أقلتهم إلى الطائرة!. مما يعني أن هذا الفارقَ قد صنعه الناسُ العاديون لا الأمراء. أعتقدُ أنَّ هذه المقدمةَ لا بُدَّ منها في الحديثِ عمَّا هو أهم، فلقاءُ الأميرِ الوليدِ بن طلالٍ بشكلٍ عام كان واضحاً وجميلاً، إذ بدا الأميرُ متجلياً في كثيرِ من مراحلِ اللقاء، إذا استثنينا كلامَه المبالغِ فيه عن نفسِه وتأكيدَه على تدينه كما لو كان يدرأ شبهاتٍ قد أُلصقت به، حتى أنه ظهرَ في بعضِ الأحيانِ متناقضاً حين ذكرَ أنه في أثناءِ خدمتِه العسكريةِ كان ينامُ من الساعةِ السادسةِ ولا يصحو إلا عند الفجرِ، متناسياً أن النومَ في هذا الوقتِ سيفوِّت عليه صلاةَ العشاء!. لقد كان الأميرُ صريحاً وهو يتحدثُ عن الفقرِ والبطالةِ ودوافعِ الثوراتِ داعياً إلى التعجيلِ في عمليةِ الإصلاح، ومؤملاً تشكيل حكومةٍ مصغرةٍ لمتابعةِ أعمالِ الوزاراتِ الخدمية، كما أنَّه حذَّرَ من استغلالِ البعضِ لظواهرِ الفقرِ والبطالةِ والفسادِ في التأليبِ على الدولة، وتأجيجِ المشاعرِ ضدها، مؤكداً على أهميةِ الفصلِ بين السلطاتِ والانتخابِ لمجلسِ الشورى مع إعطاءِ الأعضاءِ صلاحياتٍ أكبر، ولقد وددتُ من الأميرِ أن يبيِّنَ لنا الأشياءَ التي استثمرَ بها وقادته لأن يكون موجوداً بشكلٍ دائمٍ في قائمةِ أثرياءِ العالم، كذلك فإنَّ القضايا المتعلقةَ بالإصلاحِ التي تحدث عنها الأميُر هي نفس القضايا التي تحدثَ عنها غيرُه، لكني لستُ أدري لماذا تُصنَفُ على أنها شقٌ لوحدةِ الصفِ وإضرارٌ بالوحدةِ الوطنيةِ وتأليبٌ على الدولةِ وفضيحةٌ لا نصيحة، حين تأتي من الإنسانِ العادي، لا يتورعُ بعضُ (الوطنيين الغيارى) من امتشاقِ أقلامِهم واستعداءِ السلطاتِ على كلِ من يدعو إليها، في وطنٍ نتفقُ جميعاً على حبِّه والولاءِ لقيادتِه من غيرِ الحاجةِ لادِّعاء ذلك، غيرُ مدركين أن أيَّ حكومةٍ في العالمِ مهما كانت درجةُ صلاحِها ورُشدِها وعدلهِا فإنها بحاجةٍ إلى معارضةٍ صالحةٍ ترصدُ أخطاءَها وتقوِّم أعمالها، وإلا فإنَّ الفسادَ سيتسربُ إلى مفاصلِها وسيشلُ أركانَها وسيحيلها الركودُ مستنقعاً للأمراضِ والأوبئة، إذا كانت كلُ قراراتِها ستقابلُ بإجماعٍ على تأييدها و تغنٍ بحنكتِها وانتشاءٍ بنظرتِها الثاقبة، ولعلَّ أصدق ما قال الوليدُ في ذلك أنَّ: (الحكم أسرع من الحكومة)، بمعنى أن السلطات العليا في الدولةِ أبعدُ نظراً وأوسعُ أفقاً وأسرعُ إصلاحاً من أولئك المنتفعين الذين يخشون أن يجرِّدَهم التغييرُ من مكاسب قد استمرؤوها، فجعلوا من أنفسهم حُجَّاباً، يحاسبون الناسَ على نياتهم ويحددون من هو الوطنيُ و المتآمر، حتى صار الإنسانُ العاديُ بين وصيٍّ باسمِ الوطنِ ووصيٍّ باسمِ الدين، فلا يدري أيهما أنكى عليه من الآخر، وأضحت كلمةُ الإصلاحِ مرادفةً لكلمةِ (الخيانة)، و تهمةً لا يريدُ أحدٌ أن يوصَمَ بها!.