في تركيا اليوم 75 مليون نسمة أي قرابة عدد سكان ألمانيا بشقيها الغربي والشرقي، وكنت أتوقع أن يشكو أهل السياسة من كثرة هذا العدد، الذي تئن من نصفه بل وربعه دول فقيرة وغنية، لعبت البطالة بحسبتها، وجربت حلولاً شتى دون فائدة تُذكر. لكن رجال السياسة في تركيا (غير)، إذ هم اليوم يسعون لتقديم حوافز لمزيد من الإنجاب حتى لا يتأثر نموهم الاقتصادي الذي يسارع الخطى (طبقاٍ لرؤية أردوغان) ليكون من أكبر عشر اقتصادات على مستوى العالم بحلول 2023م، إنها بلا شك مهمة نبيلة، والأنبل منها انتشال الاقتصاد التركي الذي كان منهارًا تمامًا قبل عقد من الزمان أو أقل، فإذا هو اليوم نمر وثاب قوي. أردوغان قلق لأن متوسط أعمار الشعب التركي زاد عن 30 سنة لأول مرة، مع أن دخل الفرد ارتفع ثلاثة أضعاف خلال عقد واحد من الزمان. المطلوب رفع معدل الإنجاب إلى 3 أطفال لكل أسرة، حتى تستمر تركيا (أمة شابة متقدة بالحماسة، متلهفة على القيام بدور بارز على المسرح الدولي) (الحياة 2 فبراير). باختصار شديد، لم تكن الكثافة السكانية يومًا أم المشكلات، أم المشكلات هي سوء الإدارة، وهي الفساد الذي لا يبقي ولا يذر. الفساد هو الذي يُبقي الأمة فقيرة في عمومها، في حين يذهب اللصوص والمنتفعون بكل ثروات الأمة، الفساد هو الذي يبقي الأمم دائمًا في ذيل القائمة.. تتسول حكوماتها قرضًا هنا، وهبة هناك ومساعدة بينهما. وفي بعض دول الربيع العربي نماذج للخائبين، إذ طالما اشتكى بعضها من تزايد النمو السكاني حتى بات الناس ينامون في المقابر، مع أن فيها خيرات تفوق تركيا، ومعالم سياحية أكثر وأجمل مما في تركيا، وقد مُنحت من الهبات والمساعدات من أشقائها أضعاف ما تلقته تركيا، ومع ذلك كانت سوسة الفساد أصيلة وقوية ومعدية بصورة مذهلة، والأعجب من ذلك هو تباكي البعض على السوسة إياها، فهو لا يرتاح إلاّ مع نخرها المتواصل في عظام الاقتصاد المصري البائس. تركيا هي نموذج العفاف الذي يقدمه أردوغان وصحبه الكرام. إنهم فتية آمنوا بربهم، فصدق عليهم قول القائل الحذق الواعي: (عففت فعفوا، ولو رتعت لرتعوا...).