من أسوأ ما أفرزه تلكؤ العالم الغربي والعربي في إسقاط نظام بشار أن سوريا صارت بيئة خصبة بدأ يترعرع فيها التشدد وتنمو فيها طفيليات الإرهاب، وأنا يقينا لا أعني أغلبية المقاتلين الشرفاء المعتدلين الذين يرومون من قتالهم إسقاط نظام بشار الدموي وإقامة نظام حكم محترم يسوسهم بالعدل، ويعطي شعبهم حقوقه، وإنما أقصد «قلة» بدأت تستغل ظروف التحرير ومقاومة النظام، مثل «القاعدة»، وكل فكر يؤمن بالسلاح وسيلة وحيدة للتغيير والتفاوض حتى مع رفقاء السلاح والتحرير. لقد تلقت «القاعدة» ضربات موجعة منذ أن انكشفت أوراقها، فبعد أن كانت تزعم مقاومتها للصهيونية والنفوذ الأميركي، شاهد الناس كيف ولغت في الدم الحرام واستهدفت بعدد من عملياتها منشآت اقتصادية وأمنية في عدد من الدول العربية، وقتل في هذه العمليات عدد كبير من الأبرياء، فتراجعت سوقها وأصبحت غير مقنعة، وزاد تراجعها بعد حراك الربيع العربي، خاصة في مصر وتونس واليمن، حيث أثبتت جماهير تلك الدول أن التغيير لا يمر بالضرورة عبر بوابة العنف ولغة السلاح، فوجدت في الحالة السورية فرصة للتعويض، فبدأت تنمو وتتجذر مستغلة هذه الهبة الشعبية على النطاق العربي والإسلامي، لتبدأ في استعادة نفوذها وتجنيد أكبر عدد من الشباب المتحمس الذي بدأ يتقاطر على سوريا بصدق وصفاء نية لنصرة الشعب السوري، لينمو بعدها قلق من أن تكون سوريا «أفغانستان» أخرى تعلب فيها «القاعدة» فكرها المنحرف وتصدره إلى بقية الدول العربية، لتبدأ بعدها موجة أخرى من العنف والتكفير والتفجير الذي استغرق من الدول التي أصابتها لوثة هذا الفكر الضال عقودا كي تتماثل للشفاء. وقد يكون من المبكر الحديث عن دروس الثورة السورية، لكن العين لا تخطئ درسا غاية في الأهمية، وهو أن بعض التيارات الليبرالية، من حيث تدري أو لا تدري، تنفخ في نار الفكر القاعدي حين تحارب بشراسة المعتدلين في التيارات الإسلامية، كما تفعل الآن في مصر بصورة واضحة، ففي سوريا لم يكن ل«القاعدة» ومن دار في فلكها هذا الزخم الذي تحظى به الآن لولا أنها وجدت في العنف والقتال بيئة خصبة لتعزيز نفوذها، فها هو الشباب العربي المشارك في الثورة السورية أمسوا لقمة سائغة في الفم القاعدي. وهنا معلومة لا أحسب أنها فاتت على بعض الليبراليين، وهي أن «القاعدة» في الغالب الأعم غير قادرة على تجنيد أفرادها بنفسها كما تفعل بقية الفصائل الإسلامية، وإنما تقتات على التابعين للتوجهات الإسلامية المسالمة (سلفيين، إخوان، تبليغ.. إلخ)، وما يجري الآن في مصر من معركة شرسة، تعدت المقبول ضد الإخوان والسلفيين الذين قبلوا باللعبة الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، سيؤدي إلى جر البلاد إلى أتون العنف والعنف المضاد، وهو البيئة التي ستفرخ فيها «القاعدة» التي لا نكاد نسمع لها ذكرا في الساحة المصرية، كما كنا لم نسمع بها في سوريا قبل اندلاع الثورة المسلحة.