تزداد الحاجة يوما بعد يوم إلى مدونة للأحوال الشخصية.. أي تلك التي تنظم وتقضي في كل ما يتعلق بالنواحي الشخصية الخاصة بالفرد، بداية من مولده إلى وفاته وإرثه، مرورا بزواجه وطلاقه. هذه النواحي المتعلقة بالشخص رجلا أو أمرأة نظمتها الشرائع أو الأنظمة الحكومية، بحيث تحفظ حقوق الفرد الخاصة، فهو في حاجة لذلك بما يحفظ حقوقه من نسب وولادة، وما يتعلق بذلك من ميراث له أو عليه. ولقد كثرت المطالبة بإيجاد نظام للأحوال الشخصية مبني على أحكام الشريعة الغراء، وما يلحق من أنظمة تضعها الدولة لضبط المستجدات في حياة الأفراد كحقوق التجنيس مثلا. ومعلوم أنه يصعب على المسلم العادي غير المتخصص في علوم الشريعة أو المثقف نفسه فيها استخراج الحكم الشرعي في مسألة ما من قراءة كتب الفقه؛ وذلك بسبب تعدد الآراء في المسألة الواحدة، بل وفي المذهب الواحد، فما بالك بالترجيح بينها. ومما يزيد الأمر صعوبة عدم وجود مدونة فقهية سهلة التناول يمكن الرجوع السريع لها، ففي المملكة لا توجد مثل هذه المدونة رغم عدد من المحاولات لإيجاد مدونة عامة للفقه تنظم الأحكام وتضعها في شكل مواد كما هو في كتب الأنظمة الصادرة. وقبل عدة سنوات (2009) نشرت الصحف خبرا مفاده أن وزير العدل «الجديد» في حينه أعاد تشكيل لجنة لتدوين الأحكام الشرعية ودعمها بقضاة ومستشارين شرعيين لكتابتها وتنظيمها، ومن ثم إلزام المحاكم بها بعد إكمال الإجراءات اللازمة لذلك. لكن الذي يبدو والله أعلم أنه ما زالت هناك اعتراضات تحول دون ذلك، وما ذلك إلا خشية التشبه بشكل القوانين الحديثة، وحاشا أن يكون في الأحكام الشرعية بوضعها في مدونات حديثة الترتيب أي تغيير أو تبديل في الأحكام، بل هو جعلها سهلة التعاطي والوضوح لأطراف الخصومة، وهذا أيضا يحمى من الإجحاف في اجتهادات القضاة وحسب اطلاعهم وقراءاتهم. وقد وقعت اختلافات متباينة، وخصوصا في أمور الحضانة والخلع والمستجدات التي ترتبط كثيرا بالمستجدات الاجتماعية المعاصرة. الحاجة ماسة وضرورية الآن لإصدار مدونة للأحكام الشخصية ولا سيما أنه صارت محاكم متخصصة تكون موادها واضحة غير قابلة للإبهام والتأويل مبوبة تبويبا حديثا مانعة للاجتهاد والخوض في كتب الفقه، الاجتهاد هنا يكون في تطبيق الحالة (القضية) على النص، فيعرف الأطراف المتنازعون ما لهم وما عليهم. والسؤال المطروح على معالي وزير العدل: ما الذي أبرد عزمه على إخراج مدونة الأحكام الشخصية؟ كلنا آذان صاغية.