صدر قبل فترة أمر ملكي بتعديل نظام المطبوعات والنشر، وكان من ضمنه تشكيل لجان قضائية إعلامية، وقد استبشرنا خلال هذه الأيام خبر صدور الأمر الملكي بتشكيل أربعة لجان منها ثلاث ابتدائية ورابعة للاستئناف وذلك لمدة ثلاث سنوات، حيث إن هناك لجنة ابتدائية للنظر في المخالفات الصحفية يرأسها القاضي السابق بوزارة العدل الشيخ محمد بن قعود وعضوية خبير قانوني وخبير إعلامي هما عبدالعزيز العقيل وإبراهيم أكبر كما هو الحال في اللجان القضائية الصحية، وهناك لجنة ابتدائية ثانية للنظر في مخالفات المحلات والأفراد يرأسها القاضي السابق بوزارة العدل الشيخ عبدالعزيز المهنا وعضوية خبيرين هما أحمد الغامدي ومبارك الدوسري، وجاءت اللجنة الابتدائية الثالثة للنظر في مخالفات النشر الإلكتروني والسمعي والبصري يرأسها القاضي السابق بديوان المظالم الشيخ أحمد الناصر وعضوية خبيرين هما طارق الخطراوي وفهد العتيبي، ويتم الاستئناف على هذه اللجان القضائية الابتدائية الثلاث لدى اللجنة الاستئنافية برئاسة القاضي السابق بوزارة العدل ورئيس محكمة التمييز بالرياض سابقاً الشيخ علي التركي وعضوية خبيرين هما يوسف اليوسف وعيضة الزهراني، وتكتسب أحكامها القطعية ولا تتطلب مصادقة وزير الثقافة والإعلام، ويمكن الاعتراض على أحكام اللجان الابتدائية الثلاث أمام اللجنة الاستئنافية، وهذا تطور إيجابي كنا ننتظره، لاسيما اللجنة الخاصة بالنشر الإلكتروني حيث سيكون الآن متاحاً للجميع تقديم دعاويهم ضد من يعتدون عليهم في الإنترنت عموماً ومواقع التواصل الاجتماعي خصوصاً وتويتر على وجه أخص، ومن المتوقع أن تقل درجة العنف والسب والشتم والإساءة في تويتر فور مبادرة المتضررين بالإدعاء ومن ثم الحكم الذي يصل لمئات الآلاف من الريالات، وحال توالي الأحكام بهذا الشأن سيشكل ضغطاً وضماناً لمزيد من التوازن في تويتر خشية من اللجوء لهذه اللجان القضائية الشرعية. ومن المعروف أننا قد انتقلنا من مرحلة انعدام وسائل التعبير إلى ثالوث الفضائيات فالإنترنت فالهواتف الذكية، وانتشر فيسبوك منذ أربع سنوات بشكل كبير، ثم سيطر تويتر منذ سنتين على مواقع التواصل الاجتماعي وصار لكثير من السعوديين حسابات فيه، حتى بلغت مدينة الرياض المرتبة الأولى عربياً والعاشرة عالمياً في قائمة المناطق الأكثر نشاطاً في التغريد على تويتر، ومع هذا التطور السريع في النمو التواصلي الاجتماعي الافتراضي، إلا أن هناك نمواً فكرياً أكثر أهمية من النمو العددي، فبعدما كان الناس غائبون عن مشهد التعبير إذ صار لكل شخص منبره الذي يخطب بواسطته، وصرنا نعرف العقول وقبلها القلوب من لحن الحروف فضلاً عن مظاهرها، وصار غالب الناس يكتبون بأسمائهم وينشرون صورهم سوى غالب النساء لاعتبارات دينية واجتماعية، وحتى المرأة صارت تختلط في تويتر بالمحافظ كما تختلط بالأجنبي، وتكسرت الكثير من التابوهات، وتطورت الكثير من الفهوم وبشكل سريع، ولذا يلحظ الراصد النبيه أن العقل الفكري والسلوكي في تويتر يتطور في كل يوم، فبعدما كان تويتر قبل سنتين محلاً للشتائم والغلو وكذلك الانحلال والإلحاد، إذ به يصبح أكثر وسطية وتسامحاً مع بعض التجاوزات التي أصبح العقل الجمعي أكثر إيجابية في التعامل معها نحو إنكارها من الطرفين. ولكن هناك بعض الممارسات السلبية التي ينبغي تسليط الضوء عليها حتى نعالجها ونتجاوزها كما تجاوزنا الكثير من سلبيات تويتر في الفترة الماضية، ومن ذلك تحول المطالب الحقوقية والمدنية من نقد السلطة التنفيذية إلى النيل من السلطة القضائية، وصارت الأحكام القضائية الشرعية محلاً للرد والاعتراض بل والتهكم والسخرية، وهذا خط أحمر لا يجوز تجاوزه، وليس من المشروع ولا المعقول أن الطرف الخاسر في أي قضية بالمحكمة يلجأ بعدها إلى تويتر ليهاجم القضاء والقاضي ويتهمه بالظلم والانحياز لخصمه، في حين أن الحكم لو كان لمصلحة هذا المهشتق والمتوتر لرأيت خصمه كذلك ينتهز تويتر ليهاجم هو الآخر، والمفروض احترام استقلال القضاء وترك التظلم لضمانات درجات التقاضي من استئناف ومحكمة عليا والتماس ونحو ذلك وليس للغوغائية في تويتر التي بهذا المنهج السلوكي ستقضي على كل الثوابت الإنسانية والمصالح الاجتماعية في احترام القضاء، وإذا انهارت سمعة القضاء وهيبته ووقاره وثقة الناس فيه فقد سقط المجتمع برمته، ولذا أحذر من ذلك، ويجب عدم تدخل تويتر في الأحكام القضائية لأنها ملزمة وحاسمة ومحققة للمصلحة العامة، وإلا فستكون فتنة وفساد على الجميع، وأربأ بالناس أن يفعلوا ذلك، وننتظر خلال الأيام القادمة ربيع قضائي إلكتروني بإذن الله يعيد العدل والاعتدال إلى تويتر ويرفع من مستوى الحوار ويحفظ حقوق الناس وأعراضهم بعد هذه الفوضى والاعتداءات على العباد والبلاد.