يعد الاهتمام بالمعاملة داخل السجن من أكبر اهتمامات الدارسين في الدراسات العقابية. وفي السابق كان الإصلاح والمعاملة الهادفة لإصلاح السجين ينتهيان فور انتهاء مدة حبسه، غير أن هذا الاتجاه يحمل في طياته تناقضاً واضحاً، فإذا كانت الأساليب الإصلاحية داخل السجن تستهدف إعادة تأهيل النزيل وإعداده للاندماج في المجتمع من جديد حتى لا يعود لارتكاب الجريمة، فيجب أن تستمر مسئولية المجتمع حيال نزيل السجن حتى بعد الإفراج عنه ليتمكن من التغلب على كافة الصعوبات التي تواجهه بعد خروجه بما يضمن عدم عودته، بما في ذلك ما يطلق عليه البعض "صدمة الإفراج" أو "رهبة الإفراج" وليتمكن كذلك من أن يندمج تدريجياً مع المجتمع، و يعود لمجتمعه فرداً صالحاً. وهذه المسئولية ومتطلباتها هي ما تسمى ب"الرعاية اللاحقة". ولا يجب أن تقتصر الرعاية اللاحقة على الجهاز الحكومي سواء كان ممثلاً في إداراتها الإصلاحية في مصلحة السجون، أو في خدماتها الاجتماعية في الوزارات الأخرى، وخاصة وزارة الشئون الاجتماعية، حيث يجب أن يتولى القطاع الخاص دوراً مهماً في هذه الرعاية معتمداً في ذلك على الأنشطة التطوعية التي تتبناها المنظمات غير الحكومية لرعاية المسجونين المفرج عنهم ورعاية أسرهم. ولقد انتشرت جمعيات الرعاية هذه في العالم الغربي منذ بادية القرن العشرين، وانتقلت فكرة هذه الجمعيات المؤسسية إلى مجتمعات عديدة أخرى من بينها المجتمعات العربية. وتتحقق الرعاية اللاحقة للمفرج عنهم بشكل فاعل من خلال ثلاثة أساليب مترابطة مع بعضها لإكمال هدفها بحيث يمكن القول بأن ابتعاد أحدها يؤثر سلباً في تحقيق الأهداف التي تسعى إليها الرعاية اللاحقة. ويهتم الأسلوب الأول برعاية نزلاء السجون منذ اللحظة الأولى لتنفيذ العقوبة السالبة للحرية إلى لحظة الإفراج عنهم. ويهتم الأسلوب الثاني برعاية أسر النزلاء خلال فترة تنفيذ العقوبة، وتمتد هذه الرعاية إلى ما بعد الإفراج عن النزيل. أما الأسلوب الثالث فهو رعاية المفرج عنهم بعد انقضاء فترة العقوبة وعودته إلى المجتمع الذي يعيش فيه لتحقيق عنصري تكيفه مع المجتمع واستقراره فيه مواطناً صالحاً يسهم في بناء نفسه وبناء مجتمعه مثله في ذلك مثل باقي المواطنين. وكذلك لمساعدته في مواجهة التحديات المتوقعة والتي من أهمها: 1. فقدان السجين لبعض الحقوق والمزايا. 2. الوضع تحت مراقبة الشرطة. 3. المشاكل المادية. 4. صعوبة الحصول على عمل. 5. عدم تقبل المجتمع المحلي. 6. تأثير العناصر الإجرامية. وتدخل الرعاية اللاحقة للسجناء المطلق سراحهم ضمن نظام التكافل الاجتماعي النابع من الشريعة الإسلامية السمحاء على اعتبار أن الرعاية اللاحقة بمفهومها المتكامل تبدأ عند دخول السجين المؤسسة العقابية، وخاصة فيما يتعلق بالتعرف على وضع أسرته والعمل على المساعدة العاجلة لأفرادها، والتكفل بأمورها المعيشية بما في ذلك توفير المأكل والمسكن وتعليم الصغار وعلاج المرضى إلى غير ذلك من الاحتياجات الضرورية. وللإسلام، باعتباره دين لا تنفصل فيه العبادة والشرائع والأخلاق، موقف إيجابي وواضح من مسائل الرعاية الاجتماعية وتلبية احتياجات فئات المجتمع، ويتجلى هذا الموقف في دعوة الناس إلى معونة الفئات المحتاجة والفقيرة انطلاقاً من دوافع حب الخير والإحسان. وتطبيقاً لذلك تنتشر في المملكة العربية السعودية عدد من الجمعيات الأهلية التي تهتم برعاية أسر السجناء والمفرج عنهم من أهمها: 1. جمعية تراحم. وهي لجنة لديها 15 فرع تنتشر في مناطق المملكة العربية السعودية، وتقوم بالعديد من البرامج لتأهيلهم للاندماج بالمجتمع والمساعدة أيضاً في أزماتهم المالية وأيضاً في مشاريعهم الخاصة. 2. صندوق المئوية: وهو صندوق تمويل للأنشطة التجارية الصغيرة يمنح الأولوية للمساجين والمفرج عنهم وأسرهم