استنكر بعض الدعاة، ممن يرون أنفسهم أهلا للحديث عما هو حرام مقطوع بحرمته وحلال لا جدال في حله، تدريس القانون، وقد عدوا ذلك من الكبائر لما رأوا فيه من خروج عن الشريعة ومزاحمة للكليات والأقسام التي تتولى تدريس علومها. وقد أكد أولئك المرتعدون خوفا على أن تدريس القانون من شأنه أن يعد أحد مظاهر الوقوع تحت تأثير التغريب والاستجابة لمطالب العلمانيين والليبراليين، ورأوا أن الواجب على حماة الشريعة أن يتصدوا لإنكار ذلك حماية للمجتمع وحفاظا على الشريعة الغراء من القانون وممن يتولون تعليمه وممن يتلقون دروسه. ولم يخرج أولئك الذين عدوا تدريس القانون من الكبائر عن سلف لهم سبقوهم إلى اعتبار تدريس الجغرافيا والهندسة والحساب في مدارس البنات من المنكرات التي ينبغي تجنبها لما تؤدي إليه من فساد، وقد نص أحد أولئك المنكرين الأولين على ذلك في فتوى له قبل ما ينيف على الخمسين عاما اعترض فيها على ما صرح به رئيس تعليم البنات عن نية الرئاسة تعليم البنات الجغرافيا والحساب والهندسة فقال: «أيها المسلمون: يا أهل الغيرة والأنفة، اسمعوا لهذا التصريح الشنيع الذي يقصد منه إرغام أهل الخير، ومجاراة الأمم المنحلة في تعليم بناتكم الحساب والهندسة والجغرافيا، ما للنساء وهذه العلوم، تضاف إلى ما يزيد على أحد عشر درسا، غالبا لا فائدة فيها، إنها لمصيبة وخطر عظيم على مجتمعنا». وإذا كانت هذه الفتوى قد ظهرت عام 1380، فهذا يعني أننا لا نزال،بعد أربعة وخمسين عاما منها، نتعامل مع العلوم الحديثة بنفس العقلية التي لا ترى في هذه العلوم غير غزو فكري وتغريب يهدد المجتمع وينال من الشريعة. أولئك الذين يعتبرون تدريس القانون كبيرة من الكبائر لا يتذكرون ولا يريدون لنا أن نتذكر من سبقهم ممن أنكروا تدريس الجغرافيا والحساب والهندسة لأنهم يعلمون أن التاريخ سوف يطوي آراءهم كما طوى آراء من سبقوهم، وسيجيء يوم يظهر فيه أحفاد لهم ينكرون علما ما من العلوم ويعدونه كبيرة فيذكرهم أحد ما بأسلاف لهم أنكروا تدريس القانون من قبل.