تعليمنا الحالي لا يصنع أكثر من القدرة على القراءة والكتابة، لكنه لا يفتح الأذهان أو ينمي المدارك، و يجب أن يعمد التعليم إلى تغيير الإنسان وجعله متطورا من المحزن أن يتقدم غيرنا، ونتخلف نحن المسلمين رغم أن كل تعاليمنا الدينية، نبوية وقرآنية، تحث على أحسن وأفضل التعاليم التي تأخذ بأسباب التطور. لمجرد أن تطبيقنا للدين في معظمه ظاهري وشكلي ويركز على المظاهر من تقصير الملابس وإعفاء اللحية، ويهمل ما يخص المعاملات، وهذا إجحاف وتطفيف، فالدين كل متكامل، والدين سلوك ومنهج دنيوي وأخروي، لكننا بأنانية صرفة ركزنا على الرجاء والخوف والتعلق بالآخرة، وهذا بلا شك هو الهدف المبتغى، لكن قد قيل لنا أيضا "ولا تنس نصيبك من الدنيا" فقد أورثنا الأرض لعمارتها وإحيائها والتعايش فيها بخير ما يحسن التعايش، وخلق الأنموذج والقدوة الحسنة بما يكون مدعاة لدخول الغير في الإسلام، وجذبهم بحسن التعامل لهذا الدين السماوي السمح، وهذا بالفعل هو الذي حدث في العصور المبكرة للمسلمين الذين كانوا دعاة غير مباشرين في أنماط سلوكهم، وحسن تعاملهم، وبفضل كل ذلك ساد الإسلام وانتشر من الماء وحتى الماء، ومن القريب حتى البعيد، ومن العرب حتى العجم، لكن المسلمين جاءهم حين من الدهر ناموا على ما أنجزوا حتى قام غيرهم بتولي القيادة وتسيير العالم وريادة الحضارة. علينا أن ندرك ما هي مشكلتنا لكي ندرك الحل، كما علينا أن نأخذ بأسباب التقدم والعلم من العالم الغربي المتطور، وأن نقتفي أثرهم في أساليب التربية والتعليم لكي يثمر العطاء وينتج الحصاد من خلال ما نقدمه من تعليم لأبنائنا. ذلك أن تعليمنا الحالي لا يصنع أكثر من تعليم القدرة على القراءة والكتابة، لكنه لا ينور أو يفتح الأذهان أو ينمي المدارك، وحتى يتحقق ذلك فإن نمط التعليم يجب أن يتحول إلى تربية وتغيير، وأن يعمد التعليم إلى تغيير الإنسان وجعله حداثياً متطورا متمدناً منسجماً مع المعطيات الحضارية الموجودة لديه. فمثلا لا يصح أن يبقى المواطن راكبا أحدث السيارات، وهو لا يدرك كيف هي أصول التعامل المرورية ولا كيف هي أساليب المحافظة على نظافة البيئة في المدينة، ولا يدرك وهو المسلم كيفية المحافظة على نظافة دورات المياه في المسجد والمدرسة والسوق العام، كما لا يصح أن يشعر المواطن في بلده أنه غير مسؤول عن الممتلكات العامة وكل الموجودات، ولا يسعى للمحافظة عليها ولديه شعور باطني أنها ملك للدولة، وفي مأثوره العدمي أن (حلال-ن- مهوب حلالك جره على الشجر). لا أعلم كيف حصلت هذه المسافة الفارقة بين المواطن والحكومة، لا بد من تقليصها ولا بد للمواطن أن يعلم أن كل الموجودات المادية والمعنوية في وطنه من هواء وشجر وحجر هي ملكه ومسؤوليته بقدر يوجب عليه رعايتها والمحافظة عليها، نرى هذا السلوك في سفرنا للخارج وفي البلاد الأجنبية فيعجبنا، لكننا لا نطبقه في بلادنا. المشكلة عندنا تكمن في غياب القدوة والأنموذج الجيد الذي يمكن أن يقتفى ويتبع أثره. القدوات لدينا قليلون ونادرون وندرتهم لا تخلق أثراً في الناس، لأن الأكثرية الشاطحة هي الغالبة.. فلا حول ولا قوة إلا بالله.