يبدو أن الثقافة مهمة في السياسة، فالتغيرات الأخيرة في القيادة في شمال شرق آسيا توحي بأن المجتمعات الآسيوية أكثر تقبلا – إن لم تكن أكثر دعما - لوراثة الحكم. إن الرئيسة الكورية الجنوبية التي انتخبت أخيرا، بارك كون - هاي، هي ابنة بارك تشونج هي الذي حكم البلاد من سنة 1961 إلى سنة 1979. إن الرئيس القادم للصين شي جينبينج هو ابن شي زونجشن وهو نائب رئيس وزراء سابق. إن رئيس الوزراء الياباني الجديد شينزو ابي هو حفيد وقريب لاثنين من رؤساء الوزراء اليابانيين السابقين وابن وزير خارجية ياباني سابق. كيم يونج - اون هو ابن وحفيد الرئيسين اللذين سبقاه في حكم كوريا الشمالية. إن هذا النمط ليس مقتصرا على شمال شرق آسيا، فالرئيس الفلبيني بينينو أكينو الثالث هو ابن الرئيسة السابقة كورازون أكينو. إن رئيس الوزراء الماليزي نجيب عبد الرزاق ورئيس الوزراء السنغافوري لي ساين لونج هم أبناء رؤساء وزراء سابقين، وفي الهند ينتظر راهول غاندي فرصة تولي المنصب الذي تولاه جده الأكبر جواهرلال نهرو وجدته أنديرا غاندي ووالده راجيف غاندي وفي باكستان فإن بلاوال بوتو زرداري ابن الرئيس آصف علي زرداري ورئيسة الوزراء السابقة التي تم اغتيالها بينازير بوتو وحفيد رئيس وزراء سابق ذو الفقار علي بوتو قام أخيرا بالظهور على المسرح السياسي لأول مرة. إذن هل أصبحت وراثة الحكم المعيار المتبع في طول آسيا وعرضها؟ إن مما لا شك فيه أن وجود نَسَب متميز يعطي المرشحين السياسيين ميزة على منافسيهم، لكن من الواضح أيضا أن وجود أقارب متميزين ليس ضمانا للنجاح، فلو نظرنا للسجل الحافل لرئيسة الفلبين السابقة جلوريا ماساباجال أرويو لوجدنا أن والدها كان رئيسا يحظى بالاحترام، لكنها كانت من أكثر الرؤساء فسادا. إن مصطلح حياة الترف وصف غير عادل لشي الرئيس القادم للصين، فهو لم يعش حياة مرفهة، فبعد أن فقد والده منصبه بسبب عمليات التطهير التي قادها ماوتسي تونج ذهب شي للعمل في الأرياف حتى قبل الثورة الثقافية سنة 1966 – 1976، حيث اختبر على أرض الواقع المصاعب التي تحملها العديد من أبناء جيله وبعد أن صعد إلى قمة الهرم فهو لا يشعر بروح الاستحقاق حيث من الواضح من جميع التقارير أنه يشعر بروح المسؤولية من أجل إثبات أنه حصل على المنصب على أساس المقدرة وليس الامتيازات. شي يجب أن يدرك أن أبناء الجيل الثاني من قادة جمهورية الصين الشعبية يواجهون استياء شعبيا كبيرا بسبب تجميعهم السريع للثروة، وهذا يفسر تركيزه على مكافحة الفساد، ولو فشل في ذلك فسيتم اعتباره فاشلا، ومن الممكن أن ينتهي الاحتكار السياسي للحزب الشيوعي الصيني في وقت أسرع من توقعات أي إنسان، فشي يحمل على أكتافه عبئا ثقيلا. إن هذا ينطبق أيضا على بارك كيون هاي، التي صارعت مثل شي من أجل الوصول للقمة. لقد تمكن والدها من إخراج كوريا الجنوبية من حالة الفقر وحولها إلى نمر اقتصادي، لكن حكمه كان أيضا حكما قمعيا وحشيا ولجعل الأمور أسوأ بالنسبة لبارك فإن العديد من الرؤساء الذين جاءوا قبلها ينظر إليهم على أنهم فاشلون، فاثنان من الرؤساء السابقين رو تاي وو وتشون دو وان تم مقاضاتهما، ورئيس آخر هو رو مو هيون انتحر، كما أن هناك شائعات غير جيدة تتعلق بالرئيس المنتهية ولايته لي ميونج باك. إن المهمة الأصعب هي المهمة التي تنتظر راهول غاندي، فليس بإمكان أي حزب بمفرده أن يهيمن على السياسة الهندية مثلما فعل حزب المؤتمر منذ الاستقلال، ما يوحي بمستقبل من الائتلافات الصعبة المليئة بالمشاحنات. إن راهول يبدو غير متأكد، فلقد كان بإمكانه أن يأخذ المنصب قبل سنوات عدة لو اختار ذلك، ولا بد أن تردده يعكس حالة قلق عميقة لديه. أما في اليابان فإنه ينظر عالميا لأداء ابي في فترة ولايته الأولى كرئيس وزراء سنة 2006 - 2007 على أنه كان أداء سيئا رغم نسبه المميز، والآن هو يتولى حكم بلد يعاني مشكلات أكبر مع وجود تحديات داخلية وخارجية ضخمة، والقلة هم الذين يراهنون على نجاحه. خاص ب «الاقتصادية» حقوق النشر : بروجيكت سنديكيت 2013.