ظل المواطن الخليجي، والسعودي بالتحديد، في وضع العضو (المراقب) لثورات الربيع العربي رغم نبوءات راشد الغنوشي وعصام العريان بأنه سيكون جزءاً من هذا "الخريف الداكن"، ومع هذا تبرهن فراسة العربي الأصيل على حكمه على هذه التجربة. في جمعة الحادي عشر من مارس (الشهيرة) استطاعت محطة (بي بي سي) البريطانية أن تقبض على مواطن سعودي واحد في شارع العليا بالرياض، وكان وحده قصة شاردة للربيع السعودي من بين عشرين مليون سعودي فضلوا عدم الانزلاق إلى هذا الفك المخيف ببرهان التجربة. ما الذي برهنه هذا الربيع العربي للمواطن الخليجي، وللسعودي بالتحديد، بعد هذه التجربة؟ البرهان الأبرز أن هذا العالم العربي ضحية لكل هذا الإرث التاريخي، ضحية لتناقضات العرق والجنس والأديان والمذاهب. أكتب الآن، ظهر السبت، وأنا أشاهد مصر المنسجمة وقد انقسمت إلى فسطاطين. عرق واحد يتحول إلى نسبة مئوية منتصفة في كل شيء رغم أساس العرق المشترك، فما الذي سيحدث في غيرها بعشرات التباينات الصارخة؟ أكتب الآن وأنا أشاهد في ليبيا مصطفى عبدالجليل يساق إلى المحكمة بتهمة قتل الثائر عبدالفتاح يونس. قبيلة تبحث عن الثأر من قبيلة. أكتب الآن وأنا أراقب الوضع السوري حيث ما هو قادم بعد سقوط الجزار ليس إلا بدء المجزرة. عشرات المذاهب والألوان والأعراق، وكل يدعي أنه يملك مسودة الديموقراطية. أكتب الآن وأنا أتابع آخر الأخبار عن العراق حيث الديموقراطية هي آلة القتل التي تقول آلة الحساب إن اثني عشر عراقياً يقتلون يومياً في المعدل منذ رحيل الصنم البعثي حتى اللحظة. وكل ما أريده ليس إلا أن أقول إن هذا الشرق الأوسط العجيب لا يتناغم مع معايير التجربة الإنسانية. لا يمكن له أن يكون مثل بقية الدنيا في الشرق أو الغرب. لن يكون حتى ديموقراطية بنجلاديش ناهيك عن الأحلام الكبرى بالتجربة الأميركية. حتى الفصيل الواحد في هذا الشرق العربي يتناثر من ذات العلبة مثل أعواد الكبريت: الليبرالية في مصر بضعة أحزاب، والإسلامية تبدأ من السلفية الجهادية إلى الجماعة الإسلامية ثم حزب النور إلى جماعة الإخوان. لكل فصيل إمامه ومؤذنه ولكل فرقة نسختها من الدستور، وأيضاً من تصورها عن الديموقراطية. وإلى أن تنضج هذه الشعوب نكون قد اجتزنا الربيع. الربيع نفسه مجرد ثلاثة أشهر لن تسمح لهؤلاء المتقاتلين باستراحة لشهر حرام. ومن حيث بدأت: من حظ الخليجي أنه ظل مع هذا الربيع مجرد مراقب.