حدثنا أحد الثقات، أن ثقات له نقلوا عن ثقات لهم أن داعية رأى في نهار رمضان فأراً جائعاً، فأحضر له الجبن. لكنه لم يأكلها، إلا بعد أذان المغرب، طبعاً لم يحدد الداعية إذا ما أفطر الفأر على توقيت مكة أو الرياض. بطبيعة الحال لا نعلم مدى صدق أولئك الثقات الذين نقلوا عن الداعية هذا القول، وإن كنت شخصياً أشك أن يكون قد تهور إلى هذه الدرجة، لما في ذلك من انبطاح فكري، لكن الداعية ذاته نقل عنه قبل ذلك تسجيل يظهر فيه وهو يقول إن أحد الثقات نقل له أن رجلاً سورياً أخبره عن قصة خيول بيضاء تقاتل إلى جانب ثوار سورية، ويشرح الداعية أن «شيخاً، أصيب ولده قبل أن يستشهد، فاقتحمت مجموعة من الزبانية منزلهم، وكانوا يضربون الولد، ويكررون: مَنْ الرجال البيض الذين يركبون خيولاً بيضاً؟ أين هم؟ اعترف مَنْ هم؟ فقال لهم الشيخ، لم يكن معهم رجال أو خيول بيض، إنما هم ملائكة». وقصة الرجال البيض هذه تكررت، إذ تم أخيراً تداول مقطع يظهر رجلاً يشع نوراً في المسجد النبوي الشريف عرف باسم «غريب الروضة»، ولقطع الطريق على الثقات وأصحاب الإشاعات ومؤلفي الروايات والقصص سارعت رئاسة الحرم النبوي وأكدت أن «ما يتم تداوله، عن رصد كاميرات المسجد النبوي خلال توثيقها لصلاة الجمعة، رجلاً غريباً في زي الثوب والشماغ يجلس في الروضة الشريفة بين المصلين بينما وجهه وجسده يشعان نوراً، ليس سوى عبث مونتاج». الأكيد أنه لم يسرنا أن تنزلق رئاسة الحرم النبوي لدرجة نفي عبث وخزعبلات يبثها هواة، لكن إحقاقاً للحق، ذلك الانزلاق كان لابد منه لحماية السذج من تصديق ذلك، ولدينا ولله الحمد والمنة فريق مهلوس (عافاهم الله) يبرع في تأليف القصص والروايات، يقابله فريق أكثر هلوسة يبرع في التصديق والترويج لها، وموضة القصص الخيالية انتشرت مع انتشار روايات «عبير»، وجميعنا يذكر القصص التي تم حياكتها عن الكرامات في أفغانستان بهدف استقطاب الشباب، وسمعنا عن الميت الذي لم يرَ أباه قبل أن يموت فاستيقظ وسلم عليه ثم عاد ومات، وسمعنا أيضاً عن الجثة الفواحة، بل إن البعض لم يكتف بتأليف الكتيبات التي عجت بالأكاذيب، ولا بنقل الروايات، بل انتقلوا إلى عالم الأفلام. اليوم انحسرت تلك الموجة التي نشطت مطلع الثمانينات، لكن مع انحسارها وفقدان وهجها، ما زال هناك مَنْ يصر على الترويج لها وإحيائها من جديد، طبعاً لا ندخل في النوايا، فمعظم تلك القصص التي يتم تأليفها تهدف إلى الدفع باتجاه أداء الفروض والطاعة، بيد أن الأسلوب الساذج بعد انكشافه تسبب في نتائج عكسية لدى البعض، وباتت القصص التي يتم تداولها تقع في دائرة الشك مهما كانت أدلتها دامغة، وهذا طبعاً يتحمله أولئك الذين كانوا وما زالوا يروجون القصص الخيالية على أنها أحداث وقعت. المفارقة هنا، أن تلك القصص التي كان يحتكرها التيار الإسلامي ولاقت الكثير من النقد، تمت إعادة صياغتها مرة أخرى من أشباه الحقوقيين ليدخلوا كمنافسين شرسين في الترويج لهذا «الأدب»، من خلال اختلاق القصص الخيالية التي لا توجد إلا لدى بنات أفكارهم عن السجون وعن «المظلومين الذين تعج بهم السجون»، والذين لم يحرضوا ولم يقتلوا ولم يفجروا ولم يرهبوا، لكن لا تبدو بنات أفكارهم «محجبة»، لذلك يصعب سترها، وتغطية عورتها. والغريب أن هذا الفريق الذي لا يجد صعوبة في اختلاق الأكاذيب والترويج لها، يجد من ينقاد لهم بسهولة، على رغم ما يعرف عن بعضهم أنه يعاني من أمراض نفسية، وآخرين من بطالة، ومنهم من يسترزق، ومنهم من يريد أن يتسلق على أكتاف الآخرين. التيار الإسلامي في ما سبق كان يروج لقصص تهدف إلى الحض على الطاعة وحسن السلوك، وعلى رغم ذلك لم تحترم تلك التجربة، فكيف بمن يبث الفرقة والفتنة والإساءة ضارباً بعرض الحائط الأخلاق والصدق وحتى حقوق الآخرين؟ فأر صديقنا الداعية لم يفطر إلا بعد المغرب، ترى فئران أشباه الحقوقيين أفطروا أم أنهم صائمون حتى الآن؟