في تاريخنا وتراثنا المحلي نلاحظ حضوراً للدراويش بطريقة أو بأخرى، وإن كان مفهوم الدرويش لدينا في نجد يطلق على حجاج المشرق الفقراء البسطاء الذين يحجون في الغالب على أقدامهم. ومن القصص المتداولة حولهم أن أحد هؤلاء الدراويش أثناء مسيره في الصحراء أحس بالجوع فتوجه إلى أحد بيوت الشعر التي رآها في طريقه، فسلّم على صاحبه وطلب منه طعاماً، فقام هذا البدوي وأعطى الدرويش تمراً، فأكل الدرويش ولكنه لم يسد رمقه، فطلب طعاماً آخر فقال البدوي: هذا الموجود، فقال الدرويش: الله كريم يا بدوي، ثم نام الدرويش في بيت البدوي فما لبثوا غير قليل إلا وينزل أحد الضيوف ذوي المكانة على البدوي، فقام البدوي وذبح ذبيحة تليق بمقام الضيف، ثم لمّا قدّم الطعام تساءل الضيف عن الشخص النائم وطلب إيقاظه ليشاركه الطعام، فقام الدرويش وعندما بدأ في تناول الطعام التفت على البدوي وقال له: ألم أقل لك إن الله كريم يا بدوي؟! وذهب قوله (الله كريم يا بدوي) مثلاً يتداوله الناس إلى اليوم. ومن قصص الدراويش أيضاً، أن أحدهم حلَّ على رجل من البادية، فلم يكرمه وأهمل ضيافته، وبينما هو ضيف في بيت هذا الرجل أقبل عليهم ضيف آخر من ذوي المكانة الاجتماعية يريد خطبة ابنة هذا الرجل، فذبح له ذبيحة وبالغ في إكرامه، ولما حان وقت العشاء طلب الضيف من البدوي أن يدعي هذا الدرويش للعشاء فتعشى الدرويش ثم ارتجل هذه الأبيات: شبعنا وشبع الذّر من وفر سورنا وللذّر من زاد الرجال معاش ويعطي العطا من كان ضارٍ بالعطا ويمّن العطا من كان خاله لاش ومن لا يعرّب منسبه قبل منشبه راحت عليه الملزمات بلاش فأدرك الضيف ما يرمي إليه الدرويش وتراجع عن فكرة الزواج من ابنة المضيف!!! مع التسليم بفكرة مرور الدراويش بصحاري وبلدان الجزيرة العربية إلا أنه ليس لدي شك في كون هذه القصص منحولة على ألسنة دراويش العجم الذين لا يحسنون العربية، فضلاً عن أن ينظموا الشعر النبطي، ولكن يأبى الراوية أو الحكواتي الشعبي إلا يخلق جواً من الإثارة لحكاياته التي ربما يهدف من ورائها إلى بثّ بعض القيم الأخلاقية. ولكن عند بحثنا مصطلح (الدرويش) نجد أنه كلمة فارسية معناها (المتسول)، فالدراويش في الأصل من صعاليك فلول المتصوفة الذين لا يربط بينهم رابطة فكرية أو فلسفية، بل رابطتهم الوحيدة هي الاستجداء وينتشرون في المناطق التي تكثر فيها أضرحة الصالحين، التي يرتادها أهل البدع، فمن أراد التدروش فليس عليه إلا أن يتسم بقلة الحياء، وشجاعة الاستجداء، ويحفظ أشعاراً في مدح آل البيت، وإذا كان صوته رخيماً كان درويشاً متميزا، فالدرويش بصفة يكون ماهراً في الشحاذة، متفنناً في الاستجداء، بارعاً في التطفل، ويحفظ من الشعر سيئاً كثيراً ويتمكن بذلاقة لسانه من أن يؤثر في سامعيه فيحصل منهم على بغيته الرخيصة، وأحسب أن المفهوم الاصطلاحي للدرويش يمكن تعميم أسلوبه على عدد لا نستطيع إحصاءه من الشعراء والكتاب والمثقفين الذين يمارسون الدروشة بإبداعٍ منقطع النظير متفوقين به على أكبر درويش في العالم.