أشعر بضرورة الحديث عن ما تعرضت له الزميلة الكاتبة الدكتورة بدرية البشر من منعها دخول الكويت لحضور معرض الكتاب، ليس فقط من قبيل التعاطف المحض كوننا نتشارك الانتماء لوطن واحد ويعز علي أن أرى أحد أفراده يتعرض لموقف كهذا، ولكن أيضا لما في الموقف من تأكيد على أن محنة الخوف من الأفكار ما زالت قائمة في وطننا العربي، حتى بعد رياح التغيير التي اجتاحته من أجل الحصول على الحريات والحقوق بكل أشكالها، والتي كنا نفترض أن تنسجم معها وتتفهمها الحكومات.. المثقف الذي يعبر عن أفكاره في العلن وتحت ضوء الشمس لا يمكن أن يشكل خطرا؛ لأنه لا يخفي في تلافيف دماغه أجندة سرية تريد تحقيق شيء غير الذي يدعو إليه علنا. كما أنه ليس من طموحه أو نزعته كمثقف فرض فكره أو رؤيته قسرا، ولا هو يسعى إلى توظيفها للإخلال بأمن الأوطان أو السلم الاجتماعي. إنه فقط يطرح استنتاجاته ومحصلته من التراكم المعرفي الذي توفر له، ويطمح إلى المشاركة به في تهذيب المجتمع إنسانيا. وبالتالي، لا بد أن يشعر الإنسان بالمرارة عندما تحاكم أفكار المثقف في هذا الوقت بشكل أمني غير مبرر كما حدث للزميلة بدرية.. المحزن أن ما حدث لها كان في الكويت، الدولة الشقيقة التي نتشارك معها منظومة مجلس التعاون، والتي قطعت مشوارا طويلا في الحياة الدستورية التي كفلت الحريات وفي مقدمتها حرية التعبير، ولو كان قرار المنع مبنيا على مسوغات واضحة لربما أمكن تفهم الأمر، ولكن حين يقال أن منع دخولها بسبب تحفظات أمنية، فإن الأمر يبدو وكأنها تنتمي إلى تنظيم سري خطير كما وسوست لها نفسها حين تم إبلاغها بالمنع أو أن لها سوابق في الإخلال بأمن الدولة التي قصدتها أو أي دولة أخرى، بينما هي لا تزيد على كاتبة وأستاذة جامعة يعرف الكل ماذا تكتب وأين تكتب وماذا تهدف من كتابتها، ما عدا الذين يتعمدون إساءة القراءة للنوايا بطريقة لم تعد لائقة بهذا الزمن.. بدرية ليست الكاتبة التي تنتج أسوأ الأفكار التي يمكن أن تهدد الأمن الفكري للمجتمع ليتم التحفظ عليها «أمنيا». والرواية التي يحاول البعض أن يجعل منها لعنة تطاردها فسحت في بلدها وتوزع فيه، وبالتالي فإنها حجة متهافتة تلك التي استطاع بها بعض الغلاة والمتشددين إقناع وزارة الداخلية في الكويت منع الدكتورة بدرية دخول وطنها الثاني. وليت هؤلاء انتفضوا لمنع نجمة تلفزيون الواقع الممثلة كيم كاردشيان التي دخلت الكويت في احتفالية كبيرة، وفي ذات التوقيت الذي منعت فيه بدرية.