لا أعتقد أن الأجداد حلموا يوماً أن أرضهم الفقيرة قد أصبحت بسبب اكتشاف النفط في عداد أغنى مناطق الكرة الأرضية، وتظهر تلك الحقيقة في تقرير اقتصادي تناولته الوسائل الإعلامية عن توقع مراقبين اقتصاديين لتحقيق المملكة إيرادات قياسية تتجاوز 1.1 تريليون ريال في 2012، مرجحين تجاوز الإيرادات النفطية للمملكة ملياري برميل خلال العام الحالي في الوقت الذي تساهم عائدات النفط بنسبة 90% من إيرادات الميزانية العامة للدولة، وبسبب تلك الثروة الاقتصادية تبدل حال جزيرة العرب من منطقة منسية في تاريخ الاقتصاد العالمي إلى أحد أهم عوامل استقرار الاقتصاد العالمي. قبيل ذلك بخمسة أيام صرح معالي وزير البترول والثروة المعدنية المهندس علي بن إبراهيم النعيمي إن السعودية تستخدم قرابة برميلين ونصف من النفط المكافئ، لإنتاج ما يعادل ألف دولار من الدخل الوطني، بالرغم من أن المعدل العالمي يقارب 1.3 برميل لإنتاج ذات معدل الدخل، مؤكداً أن استمرار هذا المعدل مع انخفاض كفاءة استخدام الطاقة سيؤدي لتضاعف الطلب المحلي في عام 2030م، وأضاف أن التحديات التي تواجه المملكة في مجال الطاقة تتمثل في الاستخدام الأمثل للطاقة والمحافظة على استمرار النمو الاقتصادي والسكاني، ورخاء المواطنين وتلبية حاجاتهم، وهو ما يحتم العمل على رفع كفاءة الاستهلاك السنوي للطاقة التقليدية والحفاظ على الرفاه الاجتماعي، وخفض استخدامات البترول خلال السنوات القادمة بوصفها أهم الأهداف. سبق وأن عبرت في مقال سابق (المصدر الرئيس للدخل ناضب!) عن خيبة أملي وآمال الأجيال القادمة بسبب أن النفط لا يزال المصدر الرئيس للإيرادات المالية، وأقل ما يعنيه ذلك أن برامج التنمية الاقتصادية لم تحقق أهدافها خلال العقود الماضية، فالوضع لا يزال يعتمد على بيع النفط وصرف إيراداته في الأسواق المحلية والخارجية، برغم من أن النفط سلعة ناضبة، مما يعني أن الأجيال القادمة مهددة بالجوع والجفاف والفقر ما لم نتدارك الوضع الحالي، والعمل على استغلال الثروة في بناء اقتصاد غير معتمد على النفط. ما يُفهم من تصريح معالي وزير النفط أننا نعاني من هدر لأهم طاقة مادية في تاريخ الجزيرة العربية، وأكثر من ذلك أنه لم يُستفد منها في إيجاد البدائل الاقتصادية لفترة ما بعد النفط، والتي ستأتي يوماً، وإن طالت حياة النفط، عندها لا تنفع الأماني، ولا الدعوات في أن يطيل الله عز وجل عمر النفط في باطن الأرض، وسنعود مرة أخرى في مواجهة الحياة القاسية في ظل كثافة سكانية غير معهودة في تاريخ الجزيرة، وربما حينها تبدأ رحلة التيه لسكان الجزيرة العربية في ظل نفاذ الطاقة وجفاف المياه في باطنها. حديث معاليه يعني أن الوطن يفتقر إلى الخبرات الاقتصادية والتخطيط الاقتصادي السليم، وأن الوقت قد حان إلى أن نعلن حالة الاستنفار في البحث عن بدائل اقتصادية، ولو اضطررنا إلى الاستفادة من خبرات أجنبية من أجل كسب السباق مع الزمن في العقود القليلة القادمة، وبالتالي تجاوز الاعتماد شبه الكلي على الطاقة النفطية في حياتنا الاقتصادية، لكن يبدو أنه لا يوجد إستراتيجية معلنة للخروج من هذا المأزق، ولكن نكتفي بتكرار التطمينات في المحافل الاقتصادية العالمية عن قدرة الوطن على سد أي نقص في إمدادات النفط العالمية، وأنها ستظل مورّداً النفط الذي يمكن للعالم الاعتماد عليه، في حين يعمل العالم الغربي على البحث عن بدائل للنفط ضمن إستراتيجية هدفها التقليل من الاعتماد على النفط. الأهم من ذلك.. لماذا نكتفي فقط بإعادة تدوير التصريحات عن هدر الطاقة كل عام، ثم نعود إلى حالة البيات، التي تنتهي كل عام بتقرير مؤسسة النقد الذي يعلن حقيقة أننا مجرد باعة لخام النفط في السوق العالمية، ثم نكتفي بصرف إيراداته في الاستهلاك الخدماتي في القطاعات العامة، أو صرفه كإعانات على المواد الأساسية والضرورية في حياة الماشية والإنسان على اختلاف حاجاتهم، بينما وصل غيرنا بسواعد الرجال والنساء، وبدون نفط إلى مصاف الدول الصناعية المتقدمة، وأخيراً هل ما كتبته أعلاه وما كتبته في الماضي في هذا الشأن يدخل في جلد الذات أم أنه محاولة بحث يائسة عن المستقبل؟!