القرارات الأخيرة التي اتخذها الرئيس المصري محمد مرسي لتحصين نفسه ليكون الآمر بإرادته في كل شيء، ليست إلا نقطة ضمن سلسلة التصرفات التي اتسم بها منذ تسلمه للحكم، بل ربما بدأت بوادرها من خلال التصريحات في فترة حملته الانتخابية، وهي تصرفات ترتكز على الانتقام من خصومه ومخالفيه. وروح الانتقام هذه ربما تكون عامة لدى عدد كبير من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين والحزب السلفي منذ بداية الثورة إلى اليوم. ويمكن أن نلاحظ شراسة الانتقام من خلال محاكمة الرئيس السابق حسني مبارك والإصرار على إدانته وتجريمه مسبقًا وتجريم أبنائه وكل من له صلة به، ومطالبة المحكمة بالاستجابة لهذه الرغبة. وحينما لم تأت أحكام المحكمة على حسب ما أرادوا ثاروا عليها ثورة عارمة، مع أن تصرفهم هذا يوحي بأن المحكمة يجب أن تأتي بأحكام مطابقة لرغباتهم بصرف النظر عن مجرى العدالة الذي تتوخاه المحاكم. والواضح أن هناك افتراضات ذهنية موجودة في العقل، وينبغي على الواقع أن يطابق هذه الافتراضات لكي يكون العمل صحيحًا، ولو خالف ذلك فإن العمل خاطئ بالضرورة. وهذه الطريقة سائدة لدى كثير من أصحاب النظرة المتحيزة، فتجد بعض الحاضرين لمحاضرة عامة يتوقعون من المحاضر أن يقول شيئًا مطابقًا لما في أذهانهم من معلومات، ولو جاء بغيره لم يقبلوا ذلك منه. هناك نزعة نحو إعطاء الناس ما يريدون أو ما يعرف ب "التعليف المفترض"، أي أن هناك من يريد منك أن تغذيه بالطعام الذي يفضله بغض النظر عن الطعام الذي تملكه. وهي نظرة متحيزة وظالمة في كل أبعادها. وبالعودة إلى تصرفات الرئيس مرسي، سنجد أن خطاباته المسجوعة والمجلجلة التي تخلو في أغلبها من روح المنطق المقنع للعقل، تركز على الانتقام ممن يسمونه بالفلول أو بقايا النظام البائد أو غير ذلك من الصفات التي تضع الخصم موضع المجرم الذي يستحق العقاب، مع أن هناك عددًا غير قليل من الناس عملوا مع النظام السابق لأن وظائفهم تتطلب ذلك ولكن ليس لهم يد فيما يقال عن جرائم وفساد وغيرها من التهم. وبالنسبة للتعديل الدستوري الذي قام به الرئيس مرسي، فالهدف منه على ما يبدو هو تشريع الباب أمام نزعة الانتقام للتربص بالخصوم وتدميرهم باسم الإصلاح وتنظيف البلد من الفساد. ولكن، هذه النزعة العنيفة لن تجعل صاحبها يستقر على حال لأن الانتقام لانهاية له، فسوف تسير إلى نفق مظلم لاقرار له وتدمر المكتسبات الحضارية لمصر بأكملها. ولعل استعجال الإعلان الدستوري بهذه الصورة العنيفة قد يعجل في الخلاص من هذا النظام الذي بنى لبناته الأولى على روح سلبية تعادي الآخر وتسعى للنيل منه وظلت منذ بداية الحكم وهي تراوح مكانها في إصدار قرارات متناقضة ومرتجلة تنتهي إلى التصادم مع الواقع والروح الإنسانية. وفي الختام، نسأل الله أن يهيئ لمصر قيادة محنكة وذكية قادرة على النهوض بها من هذا الركام من الفوضى وعدم الاستقرار.. وبالله التوفيق.