فجأة يتسلل الحزن بلا استئذان. فجأة تتصاعد وخزات الأسى وتتراكم المآسي. يركض الناس صباح مساء ينشدون الحياة والفرح، ثم يعانقون الكفن، ويسكب آخرون الدموع ويتوشّحون السواد. في بقيق، ذهبت عائلات إلى حفلة فرح لزف عريس، ثم ما لبثت أن تحوّلت تلك الحفلة إلى مأساة بسبب «رصاصة طائشة»! وفي الرياض، تحوّل صباح الخميس الماضي إلى ساحة عزاء، ومشاهد دمار مؤلمة، وجثث متفحمة، ومصابين ينزفون بسبب انفجار صهريج غاز، على رغم كثرة التحذيرات من خطورة حمولة تلك الشاحنات، لكن الآذان لم تكن تصغي لما يكتب! هكذا سيرة الحياة يرافقها الموت، وستبقى مليئة بالمفاجآت والآهات والأزمات، وقصص الأفراح والأتراح، وتلك سنة الحياة. وبينما كان السعوديون يختلفون في نقاشاتهم ويتبادلون الآراء وهم يتابعون إعصار «ساندي» الذي ضرب أميركا، ناموا على مأساة إنسانية في حفلة زواج شرق السعودية، ذهب ضحيتها 25 شخصاً من عائلة واحدة، إضافة إلى مصابين لا يزالون يتلقون العلاج. وبعد تلك الفاجعة ب24 ساعة استيقظت الرياض على دوي انفجار هائل هزّ العاصمة، أرعبها وألبسها السواد، وطبع قلقاً مصحوباً بالإشاعات على جبين الرياض في «خميس أسود». في صبيحة ذلك الانفجار حوالى الساعة السابعة والنصف صباحاً، كنت أتصفح مواقع الصحف وأخبارها، وفجأة وصلتني رسالة من صديق نصها: «لا حول ولا قوة إلا بالله حدث الآن انفجار كبير في الرياض». قرأت الرسالة، وتلعثمت وذهلت، واتصلت ببعض الزملاء فوجدت منهم من استيقظ مذهولاً على دوي الانفجار، ومنهم من أيقظته اتصالات زملائه وذويه. تدفقت الأخبار سريعاً على مواقع التواصل الاجتماعي عن نوعية الحادثة وهول الكارثة. كان هناك من يكتب بوعي ويتحرى الصدقية، وهناك من يسوق الإشاعات ويكتب المغالطات، فيما آخرون يحللون الأسباب ويفسّرون الأشياء كيفما يرون. بذل الزملاء في الصحيفة جهداً مضاعفاً لتغطية الحادثة، وأصيب الزميل عبدالعزيز العطر في موقع الانفجار حتى أن إحدى قدميه زلت، وأصيب في كاحله، ولا يزال يتوكأ على قدم واحدة! كانت الرياض على موعد مع الفاجعة أو الموت، وهو عنوان هذه الصحيفة في اليوم التالي، للتعبير عن حجم الانفجار وآثاره وعدد ضحاياه. ونظراً إلى تكرار السيناريوهات في كوارث عدة، أعتقد أن المملكة تحتاج إلى الآتي: أولاً: تؤكد فاجعة الرياض مجدداً حاجة إمارات المناطق إلى وجود أقسام متخصصة للتعامل مع الأزمات والكوارث، تتعاطى بشكل سريع مع الإعلام وتمده بالمعلومات والأرقام في ظل سرعة الإعلام الجديد (صحافة المواطن). ثانياً: على رغم جهود الدفاع المدني، وحضور بعض آلياته ورجالاته إلى موقع الانفجار خلال دقائق بحسب شهود، إلا أنه بدا لبعض الإعلاميين غياب خطة العمل الدقيقة للتعامل مع هذه الانفجارات الكبيرة، ما غيّب المعلومة الدقيقة، مع طغيان الاجتهادات وتضارب المعلومات، وكل جهة تصرّح من طرفها. كما كان الأمر يستدعي تطويق مساحات موقع الانفجار، وهو ما لم يحدث في انفجار الرياض إلا متأخراً، ما منح المتجمهرين حق الدخول وتعريض أنفسهم للخطر. ثالثاً: الإعلام الرسمي السعودي بحاجة إلى تأهيل كوادره وتطوير أدواته والتمرس على كيفية تغطية مثل تلك الكوارث، وملازمة الحدث واستقاء وتحديث المعلومات لتزويد الجمهور بها، فلم يعد هناك عذر للتأخر في زمن الإعلام الجديد، إلا إذا كانت رغبة البقاء في دائرة البيروقراطية هي القاعدة. رابعاً: تجب المسارعة في نشر نتائج التحقيقات وعدم تأخير أو تأجيل الحقائق، حتى لا يفقد المواطن صدقية تلك اللجان التي تشكّل من كارثة إلى أخرى، نظراً إلى وجود حالات سابقة مشابهة، لا تزال على رغم مرور سنوات نتائجها غير مُعلنة، ولم تُدِنْ المذنب والمقصر. خامساً: يجب التشدد في تطبيق الأنظمة الصادرة بمنع استخدام السلاح في الأفراح وغيرها، ومعاقبة كل مخالف لتلك التشريعات، مع تشديد الرقابة والقيام بحملات توعية ذات تأثير شعبي. سادساً: يجب حظر دخول الشاحنات المحملة بمواد خطرة في وقت الذروة وأماكن التجمعات السكانية، وإرغام الشركات على إنشاء شبكة أنابيب غاز أرضية لتجنّب كوارث مستقبلية. سابعاً: هناك صورة يجب نبذها وازدراؤها ورفضها، وهي حضور بعض المسؤولين ب«المشالح المذهبة»، يصاحبهم مرافقون و«خويا»، وكأن هذا المسؤول حضر لتفقد مرافقيه وإلقاء خطبة فيهم، لا لتفقّد موقع الكارثة، ومراقبة الأداء وتعزية أهالي الضحايا. الأكيد أن الاعتراف بجذر المشكلة هو بداية الحل. هناك ضعف واضح في وسائل السلامة في السعودية، وقد تكشفت هشاشتها في كوارث عدة، ولا تزال الحلول «تحبو ولا تسير»، ومن بينها كارثتا سيول جدة وحرائق مدارس بنات وأخيراً فاجعة صهريج الغاز في الرياض، ما يستلزم إجراء مراجعة شاملة، وتطبيق قوانين صارمة لحماية حياة الناس، تزامناً مع رقابة مستمرة. الحقيقة أن التفاؤل يتلاشى عندما يتذكر المواطن أن وزارة النقل غير قادرة على صناعة وسائل نقل مريحة، وأن «خط البلدة» لا يزال يجوب الشوارع بمراتب مهترئة وسائقين متهورين وأبواب مخلعة. ويبدو أن باب النجار سيبقى (....)!!