الفساد يبدأ صغيرا وينتهي كبيرا، تماما ككرة الثلج المتدحرجة من جبل الجليد، فيصعب في النهاية.. ما كان يسهل علاجه في البداية. آفة الفساد الكبرى.. أنها تقتل الاحلام، وتحيل الجدارة إلى التقاعد المبكر، فيصبح ما يستحقه صاحب الحق.. حقا مباحا لمن لا يستحق! الكل يطمح بوظيفة تحقق له أحلامه وتطلعاته ومنصب يقوده للوصول إلى مراتب قيادية عليا، لكن الكثير من النزهاء والناجحين يصطدمون بصخرة الفساد الإداري، فتتحطم مراكبهم، وتجنح سفنهم ويبدأون في امتصاص الصدمة بالتأقلم التدريجي مع البيئة التي تحيطهم ليصبحوا مع مرور الزمن جزءًا من تلك المنظومة مشاركين فيها بصمتهم وعجزهم عن التغيير. للأسف أصبح استغلال الوظيفة العامة اكثر انماط الفساد انتشارا في المؤسسات الحكومية، وتبدو مظاهره سافرة على شكل محسوبيات أو استغلال الموظفين في مهام لا علاقة لها بالعمل فضلا عن بعض من القرارات المسيئة بحق المواطن. وتبدو أكثر انماط التحايل على النظام وتجاوز السلطة وأكثرها خطورة في تلك اللجان المختلفة التي يتم تشكيلها بقرارات إدارية بغير وجه قانوني، ليتم من خلالها القفز البهلواني فوق الصلاحيات، وتمرير القرارات المشبوهة والتقول على اختصاصات الغير ووضع الشروط التعجيزية لتتحقق مصالح وأهداف صاحب السلطة أمام تقاصر جهود الجهات الرقابية من رصد هذا الفساد وتحجيمه، رغم ارتكابه في وضح النهار! إن سوء استخدام المنصب يتنامى بوجود المناخ المناسب الذي يغيب تجريم تلك الممارسات المقوضة للتنمية والهادمة لقيم المجتمع، فنظام تأديب الموظفين مضى على إقراره 40 عاما لم يتضمن نصوصا تجرم استغلال المنصب بل حتى الرشوة يصعب تجريمها بسبب الشروط التعجيزية لإثباتها، مما يعني شل الجهات الرقابية المتمثلة في الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وديوان المراقبة العامة، وهيئة الرقابة والتحقيق، وتكبيل قدرتها على تجريم استغلال النفوذ، وهو ما لن يتم علاجه إلا بتحديث نظام تأديب الموظفين، وكسر جموده، وسد ثغراته، وإكمال النقص والقصور الذي يعتريه. إن الأصوات تعالت وطالبت بمعاقبة مرتكبي الفساد علناً.. تعكس حجم العبث الذي بات يعلمه الجميع، ويمارس من مسؤولين استغلوا امتيازات الوظيفة والصلاحيات المفوضة لهم، مما ادى إلى الإخلال وفقدان ثقة المجتمع ببعض المؤسسات والقائمين عليها.. أخيرا عليكم بداية بمعالجة القوانين والأنظمة المهترئة.. فهي رأس الأفعى.. وأساس البلاء.