هي نكتة تداولها الش عب السعودي والإماراتي على حد سواء وتقول: إجازة السعوديين ستبدأ الأسبوع القادم, اللهم إنا نستودعك “دبي مول"! هذه الطرفة رغم بساطتها إلا أنها تحمل في طياتها وجعاً حقيقة يواجه السعوديين, وتحديدا في الإجازات، حيث تتلخص المعضلة في السؤال الآتي: “وين بنروح اليوم؟" سؤال يجر معه الكثير من اليأس والخيبة, خصوصا حين ينتهي بلا إجابة, أو حين تنحصر الإجابة في مولات محددة أو مطاعم تمتد على شارع واحد ولا خيار آخر على الطاولة. من يعش في مدينة الرياض يعرف تماما ماذا يعني الملل والروتين, فهو أول من يتسابق لقص التذاكر وحجز الفنادق في الإجازات, حيث لا خيار أمامه للتمتع بيومه أو إجازته سوى التوجه إلى أقرب الأسواق إليه.. أسواق أصبحت تشبه بعضها كثيرا, فالمحلات هي نفسها والمطاعم هي ذاتها وألعاب الملاهي في مناطق الترفيه لا تتغير ولا تتطور, ماكينات حديدية يتم وضعها مع افتتاح أي مركز تجاري دون أن يكون هناك أي تجديد أو تغيير, تتغير معها نفوس سكان المدينة, الذين ضاقوا ذرعاً بذلك الملل والضجر الذي لا يتوقف عن التجدد مع افتتاح كل سوق تجاري. للأسف أن الأسواق التجارية هي الوجهة الترفيهية الوحيدة لأهالي مدينة الرياض وغالبية مدن المملكة, وبالرغم من ذلك لا نجد مشاريع لمراكز تجارية تتناسب بجودتها وضخامتها وتميزها مع حجم الطلب والإقبال عليها والأهم حجم التوقعات من دولة تعد الأغنى, كل ما نجده في المدينة هو مول بجانبه مول آخر يشبهه تماما في كل شيء عدا التصميم الخارجي وبعض المحلات الداخلية, بداخله زوار لن ترى ابتسامة على وجوههم.. كل ما ستراه وجوها مفكرة محبطة مضجرة, ما يجعل “دبي مول" مثلا ً مكاناً مفضلا ً لتقضي فيه الأسر أياماً وساعات طويلة من إجازاتها بل إن البعض يفضل أن يسكن بفندق بجانبه تماما ًحتى يحظى بفرصة سرعة الوصول له وقضاء أطول وقت ممكن يتساءل فيه ببراءة وحسرة.. “وش ناقصنا ما يصير عندنا مثله؟!" فما الذي يجعله موطناًمرضياً لرغبات الأسرة ومساحة يقضي فيها الفرد ساعات طويلة دون أن يشعر بمرورها؟ الجواب يمكن في التالي .. دبي مول يعد أَضخم سوق تجاري على مستوى العالم, وبحر واسع من الخيارات يضم بين جنباته كافة ما يحتاجه الزائر من خدمات, على مساحة تصل إلى 5600 ألف متر تتنوع فيها النشطات ما بين التبضع في 1200 محل ومنفذ بيع, واختيار تناول الطعام من بين مئات المطاعم الموجودة, والتي ترضي جميع الأعمار والأذواق, إلى المتع البصرية المتنوعة من نوافير داخلية وحوض مائي “أكواريوم" يضم مئات الآلاف من الأسماك, وحلبة تزلج ضخمة إلى جانب المناطق الترفيهية التي تتميز بروح الإبداع والابتكار والتي تشبع رغبة الطفل بالاكتشاف والمتعة, كما أن المول يضم أيضاً مكتبة ضخمة تحتوي على نصف مليون عنوان, ومركز صحي وممرات متخصصة في بيع ملابس الأطفال و الالكترونيات و الذهب والمجوهرات, والأروع من ذلك أنه لم يغفل عن توفير مساحات للمشي في الهواء الطلق, أمام بحيرة اصطناعية ضخمة تستضيف فوقها نافورة تعد الأجمل في العالم, ترقص على أنغام موسيقى عربية وغربية وآسيوية تعكس نفس وروح دبي العالمية. لم أكتب هذا المقال حتى أقدم دعاية لهذا المركز التجاري حيث إننا نعرف أنه ليس بحاجة إلى تسويق أو أي دعاية, لكني أحزن على وطني وفئة كبيرة من شعبه الذي ينتظرون الإجازة بعد الأخرى حتى يحصلوا على فرصة زيارة دبي ومرافقها السياحية المتميزة, وكأن بلادهم عاجزة عن بناء صرح مشابه بمليارين ونصف درهم, رغم أن دبي نفسها تتمنى الحصول على ما تملكه السعودية اقتصاديا وبشريا, نحن لا نحتاج إلى مراكز تجارية جديدة, نحن بحاجة إلى رؤية وفكر جديد لمشاريع ترفيهية حيوية تلبي رغبات الشعب باختلاف أذواقه وأعماره وفئاته وتفهم احتياجاته وترتقي لمستوى تطلعاته بل وتتفوق عليها, ليس عبر بناء أكبر عدد من المراكز التجارية التي يهرب منها المواطن متى ما سنحت له الفرصة, بل بتشييد مركز واحد في كل مدينة يحاكي تلك المولات العالمية.. فولله لا ينقصنا شيء عنهم كل ما نحتاجه هو الرؤية والإرادة وربما.. احترام رغبات وتطلعات المواطن الذي يئس من إيجاد سعادته في وطنه.