إذا قابلت طالبًا وبدأت تتحدث معه عن مدرسته ومعلميه، فإنه يبادرك بالشكوى من الفوضى في المدرسة ومن عدم وجود معلمين لبعض المواد ومن قلة النظافة ومن مشاغبة الطلاب وعنف بعض المعلمين. وإذا قابلت معلمًا راح يبث شكواه من قلة الاهتمام وعدم وجود الحوافز مقابل كثرة الأعباء وانعدام برامج التدريب أثناء العمل؛ وإذا قابلت أستاذًا في الجامعة تجد عنده أرتالاً من الهموم والشكاوى حول انحدار مستوى الطلاب وضعف البحوث العلمية وقلّة الباحثين الجادّين مقابل كثرة الأعمال العشوائية السريعة التي حلت محل البحث الرصين. وإذا ذهبت إلى المستشفى ستجد الأنين الحقيقي من المراجعين الذين يُمضون أشهرًا للحصول على موعد، وإذا جاء دورهم لم يجدوا العناية الطبية التي يستحقونها؛ وحينما يذهبون إلى المستشفيات الخاصة يُعانون من غلاء التكاليف العلاجية. ولو قابلت طبيبًا لن تسلم من سماع التذمر الذي يعيشه بسبب ضعف الإمكانات وسوء الإدارة وانعدام التنظيم في توزيع الخدمات وضعف الكوادر وقلة التجهيزات. وحينما تلتفت إلى المساكن، تجد الشكوى المريرة لدى كثير من الناس ممن لا يملكون سكنًا، فتجد أحدهم يمضي مايقارب ثلاثين عامًا في الوظيفة ولم يتمكن من شراء قطعة أرض صغيرة بسبب الغلاء الفاحش في كل مايخص السكن من أراض ومواد بناء ويد عاملة؛ إضافة إلى صرف جلّ رواتبه في الإيجار والعلاج ومصاريف الحياة العادية. ومن يريد أن يسافر جوًا، ستجد في حلقه غصة من المعاناة مع الخطوط السعودية بسبب عدم وجود الحجوزات الكافية أو قلة الرحلات أو سوء التعامل مع الركاب. ومن يسافر بالسيارة لايسلم هو الآخر من الشكوى من الحفر التي تحفل بها بعض الطرقات وقلة اللوحات الإرشادية وعدم وجود خدمات على الطرق أو سوء الخدمات الموجودة إن توفرت. ولو جربت أن تفتش عن روح التشاؤم ستجدها عند الموظف والمدير والرئيس والعامل والسائق والحارس والسكرتير والمزارع والتاجر..إلخ، كل يئن بما تفيض به نفسه من مشكلات يجد أنها تمثل معاناة كبيرة بسبب وجود أخطاء. ولو عدت إلى المنزل ستجد الزوجة تشكي من غياب زوجها عنها أو عنفه أو بخله أو عناده أو عدم اهتمامه وإن لم تجد شيئًا فستشتكي من عدم رومانسيته معها. والأمر نفسه مع الزوج الذي يشتكي من اهتمام زوجته بالتفاهات وتضييع الوقت والمال في الأسواق والمكالمات الهاتفية وتصفح مواقع الإنترنت مع التقصير في العناية بالمنزل وبالأطفال وترك الأمر كله للخادمة. والأطفال بدورهم يشتكون من الأب ومن الأم. الجميع يشكو ويولول ويتذمر ويجد صعوبة في الحياة التي يعيشها. هذا الواقع المتشائم لدى عدد غير قليل من الناس يدعو للتساؤل عن السبب وراء سيادة هذه الروح السوداوية لديهم، هل السبب يعود إلى تفشي الفساد في قطاعات كثيرة ما جعل الخدمات ضعيفة وأصبح أداء العاملين روتينيًا وغير مفيد، ومن ثم آلت الأمور إلى الضعف والاهتراء في كل مجال؟ أم أن تطلعات الناس عالية لدرجة جعلتهم يطمحون إلى أمور مثالية تفوق القدرات البشرية والإمكانات المادية المتوفرة؟ أم أن السبب يعود إلى مشكلة ذاتية تتعلق بعدم الرضا عن الذات والشعور بعدم القناعة مما هو متوفر، فيظل المرء متلهفًا للمزيد وطامحًا إلى المجهول دون أن يصل إلى حد يكتفي به من حطام الدنيا؟ أترك الإجابة للقراء الكرام، لأن كل سبب من بين هذه الأسباب له وجاهته، ومرتبط بشكل مباشر بطيف واسع من الشكاوى التي نسمعها ونعيشها يوميًا.