ولد الناس يصرخون بكاء.. لا نعرف له سببا اجتماعيا.. أو سياسيا.. أو اقتصاديا.. اليوم الجميع يصرخ في شبه بكاء لا يتوقف.. الجميع بملاحظات.. وعليهم ملاحظات.. بات الرضا غير كامل من كل شيء.. حتى الأرض تصرخ.. وحتى الفضاء.. حتى المناخ.. والحيوانات والطيور.. حتى الأسماك في البحار.. والفيروسات والأمراض في الأجساد.. وحتى هيئة الأممالمتحدة.. تضررت بمجلس أمنها الظالم. هكذا تكون الحكاية.. الجميع يشكلون ظاهرة صياح وشكوى وتبرم.. إذا عرفنا بعض الأسباب.. فهذا لا يعني انتقالنا إلى عالم الجودة.. فهي غاية لم تتحقق حتى في مطبخ الجامعة العربية. أصبح للهموم شواطئ.. ولها منتجعات.. البعض يردد نحن جزء من العالم.. لكن لا يرون إلا صور البكاء والكوارث و(البلاوي).. لأن الفرح عند العرب مؤشر للتشاؤم.. لا أحد يتحدث عن الصور الجميلة عند الآخرين.. يخافون أن تقتحم النفوس.. يخافون فشل لجم نشوتها. المعلمون في مدارسهم يشتكون.. يتحدثون عن هموم كثيرة.. يرون أوضاعهم غير منصفة.. يشتكون من نصاب التدريس.. ومن التعاميم.. ومن الطلاب وأولياء أمورهم. أولياء الأمور أيضا يشتكون.. من نقص جودة المدرسين.. يشتكون نتاجهم وضربهم للطلاب.. بالمقابل، هناك من يبطش بالأستاذ.. الكل محتقن الأوداج.. على (يشو) يا جماعة. الطلاب يشتكون من المدارس والمدرسين.. يشتكون من تعسف الأهل.. من أصحاب الأسواق.. يشتكون من عدم فهم المجتمع لمعاليهم.. يرون أنفسهم قوالب كاملة النضج.. يدعون معرفة كل شيء.. يشتكون من المناهج.. ومن سوء المعاملة.. في نهاية المطاف، هم جزء من بالون الشكوى.. يكبر بسبب وبدون سبب. الأطباء في مستشفياتهم يشتكون.. الناس أيضا تشتكي من الأطباء.. الكل يصف نفسه بالمظلوم.. ولا نعرف حلا لمثل هذه الألغاز.. يكبر حجمها يوما بعد آخر.. كنتيجة، أصبح الناس وعاء للشكوى والتذمر والقلق. الناس تشتكي من سوء المعاملة الطبية.. وسوء الجودة والإتقان.. أصبح الناس بضاعة في سوق الطب.. يدفعون حتى أرواحهم.. ثمنا لجهل، وأغلاط، وعدم اهتمام الأطباء.. (مين يحاسب مين). هناك نزعة للفوضى.. نزعة للجشع.. فهل أصبح الطب تجارة؟!.. هل أصبح الطبيب أداة غير إنسانية في يد أصحاب المصالح؟!.. وعلى مثل هذه المحاور.. يستمر الجدل.. يا ليل ما أطولك. الموظفون يشتكون.. رواتب متدنية.. مراتب شحيحة.. المحسوبية تتنقل بحرية.. هناك من يشعر بالقهر.. ينادي بالمحاسبة.. البعض يشتكي من رئيس متعجرف ظالم.. البعض يشتكي من نظام.. أجاز حرية التصرف.. بمصير الموظف (الغلبان).. ولا تدري هل هناك معايير للتقييم؟!.. مازال دفتر الدوام.. هو المعيار الأوحد.. إليه يحتكم الجميع.. غلطة دقيقة واحدة.. تطيح بحسنات سنين من عمر الموظف. البعض يشتكي من اجل تجنب (النضلة) أو العين.. التي تخترق الحديد.. لكنها عاجزة عن اختراق صفائح الفساد.. والإفساد.. والطمع.. والجشع.. فتش عن السبب. النسوة صوت الشكوى الدائم.. يشتكين من الزوج.. يموت وهو يتحمل وزر كل شيء.. يشتكين من الأبناء.. وغلبتهم.. وصراخهم.. وتربيتهم.. يشتكين من أهل الزوج.. ومن الأمهات.. ومن الآباء.. ومن الاخوان.. يشتكين من أوضاعهن.. ومن جميع الأصباغ الملونة.. حتى مقص الأظافر، ومشبك الشعر.. حتى الكعب العالي لبسنه طواعية.. ورغم ذلك.. يشتكين منه.. وأيضا من الخياطات والكوافيرات.. يا رب سترك. يشتكين حتى من أكل المطاعم.. ويشتكين من الطبخ.. وحتى من النوم.. بعضهن تشتكي لتعرف أنها موجودة.. تمارس جزءا من طقوس التنغيص.. الذي تدعي انه يمارس عليها.. وبالمقابل.. يشتكي الرجال من طلباتهن.. التي لا تنتهي.. يصبح البيت أكاديمية.. للصراخ بجميع أنواعه.. على (يشو) يا جماعة؟! حتى المسئول يشتكي.. تتعجب عندما تجد الوزير يشتكي.. مثل عجائز الأسواق الشعبية.. شكواهم لا تتوقف.. من الناس.. من الأوضاع التي لا تقبلهم نموذجا.. يجب فرضه في صفحات التاريخ. يشتكي المسئول من الموظف.. ومن قلة الصلاحيات.. ومن الميزانية.. ومن المراجع الذي لا يطرق الباب قبل الدخول.. يشتكي من عدم ظهور صورته على صفحات الجرائد.. يتهم المواطنين بالجهل.. وعدم الإلمام بطبيعة عمل جهازه.. يشتكي المسئول أيضا.. لان زوجته.. وأبناءه.. لا يفهمون سعادته.. بينما الناس تفهمه. حتى الراعي في البر يشتكي.. وجد نفسه في الصحراء.. يطارد أغناما شاردة.. أو (بعارين) مجنونة.. وهناك عامل النظافة.. أيضا يشتكي جنون وبذخ من حوله.. هناك أسراب من الشكاوى التي لا يتوقف نفيرها.. ولكن الفقراء يمثلون شكوى الأرض وهمها.. فهل يستوعب العقل ما يجري؟!