قبل عشر سنوات بالضبط (وتحديدا في 2002) تم إلغاء 12 عملة أوروبية محلية واستبدالها باليورو كعملة أوروبية موحدة. ورغم علامات الوهن - والضغوط الاقتصادية - التي يواجهها اليورو هذه الأيام؛ إلا أن مبادرة الأوروبيين بإلغاء عملاتهم الوطنية تعد شجاعة اقتصادية وسابقة تاريخية فشل عالمنا العربي والإسلامي في تحقيقها رغم الروابط المشتركة بين شعوبه.. وقبل التوسع (في مسألة الروابط المشتركة) دعونا نعترف بأن النيات الطيبة لا تكفي وحدها في عالم الاقتصاد.. فحتى الأوروبيون يتساءلون اليوم عن سلامة الوحدة النقدية - وسلامة موقف البريطانيين والدنماركيين الذين امتنعوا عن المشاركة فيها. فقبل عشرة أعوام كانت الآراء ايجابية والجميع يشيد بمحاسن التحول لعملة موحدة - التي من أهمها تلافي التقلبات في أسعار الصرف، والغاء عمولات التحويل، وسهولة التصدير، وتسريع الاندماج، وتوفير الشفافية، وتشجيع السياحة.. ناهيك عن منافسة الدولار واكتساح العالم بعملة تقف خلفها كامل أوروبا! ورغم التساؤلات الكثيرة عن مستقبل اليورو هذه الأيام؛ مازلت احسد الأوروبيين على هذا الإنجاز (وتعرفون الفرق بين الغبطة والحسد)؛ فرغم ماضيها الدموي ومذاهبها المتناحرة.. ورغم ثقافاتها المتعددة ولغاتها المختلفة.. الا ان أوروبا انجزت الكثير في سبيل الوحدة والتكامل.. في حين مازلنا في مرحلة الأمنيات وشعارات الوحدة العربية والاسلامية. فبعد اعمار ما دمرته الحرب العالمية الثانية عقدت في باريس اتفاقية الفحم والصلب عام 1951. ومن هذه الاتفاقية (التي لم تضم حينها سوى ست دول) ولدت فكرة الاتحاد الاوروبي.. وتوسعت الدائرة بدخول دول جديدة حتى أعلن الاتحاد رسميا في ماسترخت عام 1992. وفي عام 1997 قدمت التصاميم الأولية للعملة الموحدة وتم الاتفاق على استعمال العملة الجديدة من أول يوم في 2002!! ويمكن القول ان فرنساوالمانيا وبلجيكا كانت من اكثر الدول تحمسا لفكرة اليورو في حين رفضت دول أخرى؛ مثل بريطانيا والسويد والدنمارك تبني العملة الجديدة.. فالسويد والدنمارك رفضتا اليورو بناء على استفتاء شعبي عام، في حين رفضته بريطانيا بسبب تحفظها التاريخي حيال كل مايمس هويتها الخاصة!! ومما ساهم في تقبل اليورو - في معظم المجتمعات الأوربية - ان معظم العملات الاوروبية تعد حديثة نسبيا أو تم تبنيها من دول اخرى (بعكس الجنية الاسترليني مثلا)؛ فالمارك الألماني فرضته امريكا فرضا (بدل الرايخمارك) بعد هزيمة هتلر. والاسكودا حل محل الريال بعد الاطاحة بالملكية في البرتغال، في حين اُخذ الفرنك البلجيكي من فرنسا والجيلدر الهولندي من فلورنسا. أما بالنسبة لبريطانيا فقد سبقت فرنسا ب 600 عام في اتخاذ عملة وطنية موحدة وعلى المانيا وايطاليا بقرن كامل، ولم يحدث منذ 1300 عام ان استبدلت بريطانيا الجنية الاسترليني او غيرت فيه الكثير!! .. وبطبيعة الحال رفض اليورو من بعض الدول لا يعني عدم قبوله فيها؛ فاليوم يمكن للسائح التجول في كامل اوروبا وفي جيبه عملة مقبولة في كل مكان.. ناهيك عن دخولها بفيزا موحدة وإلغاء الحدود بين دولها.. ورغم انني غير معتاد على التباكي على حالنا العربي والاسلامي، إلا انني لا انكر حلمي ب (دينار اسلامي) يكون مقبولا في ماليزيا كالمغرب، وفي اليمن كتركستان، وفي ايران كالسودان، وفي مصر كالسعودية!